والأديب الفرنسي جول رومان (Romains)
من أجدر أدباء أمته بتمثيل من المدرسة الإيمانية وسطا بين المقلدين وطلاب المظاهر والحذلقة من المنكرين وأدعياء الإنكار، وهو في رأي النقاد ضريب زولا وبلزاك في الإعراب عن المزاج اللاتيني الفرنسي الأصيل، وقد سئل عن عقيدته فكتب جوابه في فصل موجز قال فيه: إنه ليس بالشكوكي، ولا بالمتشائم، ولا يحسب العقل قادرا على استطلاع الحقيقة المطلقة، وإنه قد يقترب منها ثم ينحرف عنها هنيهة، ولكنه يرجو من تقدم الزمن أن يضطلع العلم النفساني بحكمة يعترف بها العلم الطبيعي قسرا، ولا يتسنى له أن يغفلها أو يحيلها مزدريا بها إلى مجال البحث فيما بعد الطبيعة، ويدهش الأديب لأن أقطاب العلم والفلسفة المعاصرين قانعون بأن يعيروا (نصف أذن) لما يقال عن كشف الحجب واستشفاف الغيوب.
قال: «إنني أحسبني من بعض الجوانب من العقليين الذين يقلبون ما فوق العقل (Sur-rationaist) ، وأعني أنني مستعد أن أعترف للروح عند بعض الأفذاذ في حالات مميزة بالقدرة على بلوغ الحقيقة بالإلهام المباشر، وأؤمن بأن هذا الإلهام قد تكرر حدوثه في تاريخ الروح الإنسانية، ولكني - وأحب أن أؤكد هذا لأنه مبعث كثير من الخلط والاضطراب - أرى أن هذه اللمحات إنما تطرأ عرضا بين ركام من حالات الوعي التي قد تشبهها ولكنها لا تعدو أن تكون حلما أو وهما، وليس عمل العقل في هذه الحالات أن يدفع الروح إلى رفضها جميعا بل عليه أن يعينها على التمييز بينها بمضاهاتها على الحقيقة.» «وقد ذكرت كلمة الروح مرات، والواقع أنني أرى للقوة الروحية والنفسية مكانا هاما في الكون ... وأعتقد بصفة خاصة أن المقاربة بين الروحي والمادي تصدق في تجارب الجماعات كما تصدق في تجارب الآحاد ...»
ثم ختم رسالته قائلا: «وإلى هنا لم أقل شيئا عن الله بالمعنى الشائع لهذه الكلمة، لأنني أجد من العسير علي أن أقرر معنى يقينيا أو مقاربا لليقين في هذا الموضوع.»
ومضى يناقش الفلاسفة في صفات الله، ولا يرى كيف يكون التوفيق بين القدرة الكاملة وما يعتري الكون من الآفات والعيوب، ويرجح أن المادة عائقة للمقاصد الإلهية، وأن الإنسان مطالب بأن يجتهد اجتهاده لتغليب تلك المقاصد على ما عداها.
وجملة ما يفهم من فلسفة رومان - وهو فيلسوف درس الفلسفة زمنا - أن روح الإنسان وروح الأمة ملاذ صالح للمقاربة بين المقاصد الإلهية والمقاصد الدنيوية، وأن الإجماع اللدني الذي يهتدي إليه الناس بداهة وارتجالا غير مصطنع ولا مدير هو أصدق ما يشعر به الإنسان من وحي الله. •••
ومن النادر جدا أن يشتهر في أمم الشمال (السكندنافية) أديب معطل كل التعطيل، ولكنك تلمح في كتابات المفكرين منهم لواعج القلق التي تشبه لواعج العاطفة السوارة: فهي شوق غير مستقر وغير ضعيف وغير مفارق، ولا حيلة فيه لصاحبه إلا كحيلة المحب الذي يقنع بما في أعماق وجدانه من الشوق، ثم لا يحاول أن يسلط عليه أنوار النهار، وكأنما عودتهم أجواء بلادهم أن يعيشوا تحت السحاب ويسكنوا إلى الليل الطويل، فليس من اللازم عندهم جو الوضوح والإشراف.
وقد تردد منذ سنتين اسم كاتبهم السويدي «لاجر كفيت» صاحب رواية «باراباس»، ذلك اللص الذي اختاره الأحبار والشعب للعفو عنه بديلا من السيد المسيح، وليس إيمان «لاجر كفيت» كإيمان البسطاء في الرواية، ولكنه يستلهم الإيمان من تلك البساطة ويروض حيرته الذهنية البادية من خلل السطور على الاقتداء بهؤلاء البسطاء، فإن كان ذهنه يعجز عن حل مشكلاته فاللوم عليه، ولعله لا يضيره أن يعيش بذلك الذهن الحائر ما دام يحس في الأعماق تلك الذخيرة المحتجبة المضطربة، وما دام له ذلك العطف على بساطة الإيمان. •••
وفي الشعر تكثر شواهد الاعتقاد الشخصي ويسهل على القارئ أن يلمح من تصفح ديوان الشاعر قبلته في العقيدة الدينية.
وقد أردنا أن نختار من الشعر الإنجليزي ثلاث مراحل على حسب السن، وأن نختار من كل مرحلة شاعرا ممتازا بحكم الشهرة العامة، فاخترنا من المرحلة الأولى جون ماسفيلد الشاعر المتوج، ومن المرحلة الثانية توماس إليوت صاحب جائزة نوبل منذ سنوات، ومن المرحلة الثالثة ديلان توماس (Dyllan)
Bog aan la aqoon