وترهب هذا الكلمات الأخيرة ذاك الفارسي الخالع العذار، فيوافق على كل شيء، ويحمد كنديد الرب وأولياءه، ويخرج في اليوم عينه من تبريز مع الإمام المسلم، ويسلكان طريق أصبهان، حيث وصلا إليها مغمورين ببركات الشعب وصنيعه.
الفصل الثالث
قبول كنديد في البلاط، وما عقب ذلك
لم يلبث صدر الديوان الأكرم أن قدم كنديد إلى الملك، ووجد صاحب الجلالة لذة عجيبة في سماعه، ووضعه بين كثير من علماء بلاطه، فعده هؤلاء العلماء مجنونا جاهلا غبيا، فساعد هذا على إقناع جلالته بأنه رجل عظيم، وقد قال صاحب الجلالة لهم: «بما أنكم لا تدركون شيئا من براهين كنديد، فإنكم تهينونه، ولكني - وإن كنت لا أفوقكم فهما له - أوكد لكم أنه فيلسوف عظيم، وأقسم على هذا بشاربي»، ففرضت هذه الكلمة الصمت على العلماء.
ويسكن كنديد القصر، ويعطى عبيدا لخدمته، ويلبس ثوبا فاخرا، ويأمر الصفوي بألا يقدم أحد على إثبات خطئه مهما قال، ولم يقف صاحب الجلالة عند هذا الحد، فما فتئ الورع الأكرم يلحف عليه نفعا لكنديد، فجعله من المقربين إليه في آخر الأمر.
قال الإمام مخاطبا كنديد: «الحمد لله، والصلاة على نبيه الكريم، وبعد، فإني آتيك بخبر سار، فيا لك من سعيد يا كنديدي العزيز! ويا لكثرة الحساد الذين سوف تجعلهم لنفسك! أنت تسبح في نعمة، ويمكنك أن تطمح إلى أرفع مناصب الدولة، ولا تنسني يا صديقي العزيز، واذكر أنني أنا الذي نال لك ما سوف تتمتع به من الحظوة عما قليل، ولتكن البهجة طالع وجهك! وذلك أن الملك سينعم عليك بلطف تشرئب إليه الأعناق، وذلك أنه سيكون لك من المنظر ما لم يتمتع البلاط به منذ عامين.»
ويسأل كنديد: «ما الذي يكرمني به الأمير؟»
ويجيب الورع عن هذا بقوله: «إنك ستضرب بالسوط خمسين ضربة على باطن قدميك أمام صاحب الجلالة، والآن سيحضر الخصيان الذين عينوا لتعطيرك، فاستعد لاحتمال هذه المحنة الصغيرة قرير العين، واجعل نفسك خليقا بملك الملوك.»
ويصرخ كنديد غاضبا قائلا: «ليحتفظ ملك الملوك بجوده إذا ما وجب علي لنيله، أن أتلقى خمسين ضربة سوط.»
ويقول الإمام ببرودة: «وهذه هي عادته نحو من يريد أن يعمهم بنعمه، وأحبك كثيرا لما تروي لي من إبائك، وسأجعلك سعيدا على الرغم منك.»
Bog aan la aqoon