79

فلما سمع الدرويش هذا الكلام، أغلق الباب بعنف في وجوههم.

وفي أثناء هذا الحديث، ذاع خبر قائل بأنه خنق في الآستانة وزيران مع المفتي، وبأنه وضع على الخازوق كثير من أصدقائهم، فأدت هذه النكبة إلى ضجة كبيرة في كل مكان بضع ساعات.

وبينا كان بنغلوس وكنديد ومارتن عائدين إلى المزرعة الصغيرة، لاقوا شيخا ساذجا، يتبرد تحت عريش من شجر البرتقال، قائم عند بابه ، ويسأله بنغلوس - الذي كان محبا للاطلاع، كما كان كثير الاستدلال - عن اسم المفتي الذي خنق، ويجيب هذا الرجل البسيط بقوله: «لا أعرف شيئا عن ذلك، ولم يحدث قط أن عرفت اسم مفت أو اسم وزير، وأجهل جهلا مطلقا ما تكلمونني عنه من خبر، وأظن - على العموم - أن الذين يتدخلون في الشئون العامة يهلكون ببؤس أحيانا، جزاء وفاقا، ولكنني لا أسأل عما يحدث في الآستانة مطلقا، مكتفيا بأن أرسل إليهم للبيع ثمرات الحديقة التي أزرعها.»

قال هذا الكلام، وأدخل الأجانب إلى منزله، وتقدم بنتاه وابناه إليهم أنواعا كثيرة من الشراب، صنعوها بأنفسهم، كما قدموا إليهم قشدة معللة بمربب قشر الترنج، وبرتقالا وحامضا وليمونا وأنناسا وفستقا وقهوة يمانية، لم تخلط قط ببن بتافيا والجزر الرديء، ثم عطرت بنتا المسلم الصالح لحى كنديد وبنغلوس ومارتن.

ويقول كنديد للتركي: «لا بد من وجود أرض واسعة رائعة لك؟»

ويجيب التركي: «لا أملك غير عشرين فدانا أزرعها مع أولادي، فالعمل يدفع عنا ثلاثة شرور كبيرة: السأم، والرذيلة، والعوز.»

ويعود كنديد إلى مزرعته، ويقوم بتأملات عميقة حول كلام التركي، ويقول لبنغلوس ومارتن: «يبدو لي أن ذلك الشيخ الصالح اختار لنفسه نصيبا أفضل من نصيب الملوك الستة، الذين كان لنا شرف العشاء معهم.»

ويقول بنغلوس: «يرى جميع الفلاسفة، أن المقامات العالية خطرة جدا، فمما وقع أن ملك المؤابيين عجلون قتل من قبل أهود، وأن أبشالوم علق من شعره، وطعن بنبال ثلاث، وأن الملك ناداب بن يربعام قتل من قبل بعشا، وأن الملك أيلة قتل من قبل زمرى، وأن أحزيا قتل من قبل ياهو، وأن عثليا قتلت من قبل يهوياداع، وأن الملوك يهوياقيم ويكنيا وصدقيا صاروا عبيدا.» «وهل تعرف كيف هلك كريزوس وأستياغ ودارا ودنيس السرقوسي وبروس وبرسوس وأنيبال وجوغورتا وأريوفستوس وقيصر وبونبي ونيرون وأوتون وفيتليوس ودومسيان وريشارد الثاني الإنكليزي وإدوارد الثاني وهنري السادس وريشارد الثالث وماري ستوارت وشارل الأول والهنريون الفرنسيون الثلاثة والإمبراطور هنري الرابع؟ وأنت تعرف ...»

ويقول كنديد: «وأعرف أيضا أنه يجب أن تزرع حديقتنا.»

ويقول بنغلوس : «الحق معك؛ وذلك لأن الإنسان عندما جعل في جنة عدن، جعل فيها ليعمل «فليفلحها ويحرسها»، ويثبت أن هذا الإنسان لم يولد للراحة.»

Bog aan la aqoon