لم يكن عند نصف المسافرين الخائرين من القوة ما يجزعون معه حتى من الخطر؛ وذلك لما حدث لهم من إغماء، بسبب هذه الغموم التي أصاب ترنح السفينة بها الأعصاب وجميع أمزجة الأبدان، فهزت على وجوه مختلفة، وأما النصف الآخر فكان يصلي ويستغيث، وقد مزقت الأشرعة، وكسرت الصواري، وخرقت السفينة، وقد كان يعمل من يستطيع العمل، ولا يرى من يتفاهم ولا من يقود، وقد كان التعميدي على ظهر المركب، فيساعد قليلا على الإدارة، ويضربه ملاح غضبان ضربا شديدا، ويطرحه على الألواح، ويصاب هذا النوتي برجفة عنيفة، فيسقط بها خارج السفينة، ويكون رأسه أول ما يسقط، ويظل معلقا متعلقا في قسم من الصاري المحطم، ويهرع جاك الصالح إلى مساعدته ويعينه على الصعود.
وكان من الجهد الذي بذل، أن تدهور في البحر على مرأى من البحار، الذي تركه يهلك من غير أن يتفضل حتى بالنظر إليه، ويدنو كنديد، ويبصر المحسن إليه الذي ظهر ثانية، والذي ابتلعه اليم إلى الأبد، ويريد أن يلقي نفسه في البحر وراءه، ويمنعه الفيلسوف بنغلوس من هذا، مثبتا له أن خليج أشبونة كون تكوينا خاصا ليغرق فيه ذاك التعميدي.
وبينا كان يبرهن على هذا الأمر «البديهي»، انشقت السفينة فهلك الجميع، خلا بنغلوس وكنديد وذاك النوتي الجافي الذي أوجب غرق التعميدي الفاضل، ويوفق هذا اللئيم للسباحة حتى الساحل الذي حمل إليه بنغلوس وكنديد على لوح.
ويعود إليهما بعض الصحو، فيسيران نحو أشبونة، وقد بقي عندهما من الدراهم القليلة ما كانا يرجوان معه أن ينجوا من الجوع بعد أن سلما من العاصفة.
ولم تكد أقدامهما تطأ مدينة أشبونة باكيين ذلك المنعم عليهما، حتى شعرا بزلزلة
1
تحت خطواتهما، ويرتفع البحر فائرا في الميناء، ويحطم المراكب الراسية، وتغطي الشوارع والميادين العامة زوابع من اللهب والرماد، وتنهار البيوت، وتسقط السقف على الأسس، وتفرق الأسس، وينسحق تحت الأنقاض ثلاثون ألف ساكن من كل سن وجنس، ويقول الملاح وهو يصفر مقسما: «يوجد ما يلتقط هنا»، ويقول بنغلوس: «ما يمكن أن يكون السبب الكافي لهذا الحادث؟» ويصرخ كنديد قائلا: «هذا آخر أيام الدنيا!» ويركض الملاح من فوره بين الأنقاض، ويقتحم الموت بحثا عن المال، ويجد مالا، ويقبض عليه، ويثمل وينام مخمورا، ويشتري راضيا ألطاف أول فتاة يلاقيها فوق أنقاض البيوت المهدومة وبين المحتضرين والموتى، ومع ذلك فقد جره بنغلوس من كمه وقال له: «ليس هذا عملا صالحا يا صاحبي، وأراك غافلا عن الحق العام مختارا أسوأ الأوقات»، ويجيب الملاح عن هذا بقوله: «يا للقرد، إني نوتي، وقد ولدت في بتافيا، ودست الصليب أربع مرات
2
في رحلاتي الأربع إلى اليابان، فلست بالرجل الذي يبالي بحقك العام.»
وجرح بعض الشظايا من الحجارة كنديد، فانبطح في الشارع، وستر بالأنقاض، فقال لبنغلوس: «آه! أحضر قليل خمر وزيت، فأنا أموت»، فأجاب بنغلوس بقوله: «ليست هذه الزلزلة شيئا جديدا، فلقد عانت مدينة ليما بأمريكة عين الهزات في العام الماضي، وتنشأ ذات المعلولات عن ذات العلل، ولا ريب في وجود سلسلة من الكبريت تحت الأرض بين ليما وأشبونة.»
Bog aan la aqoon