ميللر: هذا هو الحادث فعلا. ولكن بالنسبة لي شخصيا فإن استمراري كمسرحي راجع إلى أني أحب المسرح بالدرجة الأولى، ولكن بالإضافة لهذا فإنه في النهاية أبسط وسائل التعبير. لا يوجد ماكينات؛ هناك الكاتب ، والممثل، والجمهور، وهذا كل شيء. أعتقد أن هذا شيء لا بد من المحافظة عليه وهو مناسب جدا لمجتمعات الطلبة والهواة الذين لا يملكون نقودا لشراء آلات أو استديوهات. إن خبرتي أن المسرح حين يحتوي موضوعا هاما يجذب جمهورا كبيرا جدا. - هذا يقودنا إلى مشكلة المسرح الطليعي والتجريبي. أتعتقد أن هذه التجارب الجديدة تقتل روح المسرح الحقيقي أم تنشطه؟
ميللر: الاثنان! أنا أكره أن أعطيك إجابة بسيطة، ولكن لا توجد إجابة بسيطة. أنا أعتقد أن الدراما العظيمة جاءت في الأجواء الديمقراطية العظمى في حياة الحضارة مثل الإغريق القديمة وعصر إليزابيث في إنجلترا؛ كان المسرح آنذاك لجميع الناس ولم يكن للمثقفين والمتعلمين فقط، لم يكن للأغنياء والبورجوازيين فقط، كان هناك الفلاح واللورد وكل الناس. والمسرح الطليعي مشكلته أنه يبدأ بفكرة لا تخاطب إلا «الخلاصة» فقط. وهذا شيء يسيء لفن المسرح. السبب أن الكاتب الفنان لا يصارع كثيرا ليجعل فكرته المجردة تلك ومشاعره المعقدة بسيطة إلى درجة يفهمها الناس أجمعون. إن أعظم مشاهد شكسبير في حقيقتها بسيطة إلى درجة غريبة. إنها تعالج مشكلة إنسان هجر الآخر، أو إنسان يريد أن ينتقم من الآخر، أو شخص طموح، شخص خائف، شخص سعيد. في النهاية موقف بسيط جدا والناس بسطاء. وحين تصل بالطليعة إلى المراحل المجردة في السلوك الإنساني تختل ولا يستطيع أحد أن يتعرف على الشخصية أو الموقف بسهولة، ويصبح حينئذ الموقف المسرحي لغزا قد يكون مثيرا لهؤلاء الشغوفين بحل الألغاز، ولكنه ليس مثيرا بالنسبة إلى الجمهور البسيط العام. إن دور الفنان ليس أن يعقد الأشياء المعقدة، وهذا صعب، ولكنه يأخذ جهدا خارقا وموهبة فذة وإيمانا كبيرا أيضا بصراع الفنان مع نفسه لتجسيد القيم والأفكار المجردة وتحويلها إلى الحقائق الإنسانية البسيطة. - ولكنك كنت طليعيا بطريقتك الخاصة، فكيف تفسر موقفك الآن من الطليعة؟
ميللر: أعتقد أن الطليعة هي أن تفهم هذه «الكارثة» الكبرى، الطليعية. - وما رأيك في التكنيك المسرحي الذي استخدمته في مسرحيتك الجديدة «سقف الباب»؟ هل تعمدت تكنيكا خاصا أم أنك تركت نفسك لسجيتها؟
ميللر : إن التكنيك بالنسبة إلي لا يأتي من المسرح أو النقاد، ولكنه يأتي من طبيعة «الجنة السرية» التي تحاول الوصول إليها في هذه المسرحية أو تلك؛ ولهذا فمسرحياتي مختلفة الشكل والتكنيك؛ لأن «الجنة السرية» في كل منها مختلفة. المسرحية الجديدة مثلا «سقف الباب» مختلفة؛ فقد كنت أحاول فيها أن أعثر على هذا الصوت الخفي للجنة السرية الخاصة بها، وهذا يتطلب منك أحيانا أن تكون تجريديا تماما، وأحيانا أخرى يتطلب منك أن تكون واقعيا جدا. ولماذا لا؟ خلال مائة عام من الآن إذا كان المسرح لا يزال قائما وموجودا، فإنهم حين يمثلون مسرحية فإنهم سيفعلون هذا لأنها «ستتحدث» إليهم، حتى في ذلك العصر القادم البعيد. إن بعض مسرحياتي عمرها 25 سنة، وهذا ربع قرن، أي زمن طويل، ومع هذا فهي لا تزال تمثل، ربما الناس قد نسوا تماما أن «وفاة بائع متجول» قد كتبت بطريقة جديدة، ولكنهم فيما أعتقد يقدمونها لأنها لا تزال تقول لهم شيئا. إنها لم تخترع جديدا، فلست إديسون أو جراهام بل، ولكنها اخترعت شيئا فيما أعتقد. - ربما لما حوته من موضوع جديد فيما أعتقد.
ميللر: ولكن التكنيك أيضا كان جديدا. ألست معي؟ - لماذا درج الكتاب الشبان على إهمال الالتزام تماما هنا؟ ماذا حدث؟
ميللر: لأن كل ما كانوا ملتزمين به قد «انفجر».
كل ما كانوا ملتزمين به قد دخلته المساومة بطريقة أو بأخرى. أنا أعتقد أن هذا ليس التزاما أو عدم التزام. أعتقد أنه عدم فهم حقيقي لدورهم ككتاب. - إذن يا عزيزي مستر ميللر، أنت توقع نفسك في تناقض الآن.
ميللر: ربما، على العموم الرؤية لا تبدو واضحة تماما. في الأدب الأمريكي الإنجليزي هناك انفصال بين الحياة السياسية والاقتصادية والفنية، وكأن لا شيء يمت إلى الآخر؛ ولهذا حين يعالج الكتاب موقفا سياسيا فهم يشكون في أنه لا يقول الحقيقة، مع أن الناس طول الوقت غارقون لآذانهم في السياسة والاقتصاد. - ألا تعتقد أن هذا سببه أن الكتاب أنفسهم لم يقوموا بدورهم كما يجب؟ أي لم يعمقوا إحساس الناس بما فيه الكفاية إلى درجة أن يدركوا صلتهم بالأوضاع السياسية والاقتصادية والعلمية والتربوية؟ لم يقوموا بدور القيادة كما ينبغي؛ ولهذا لم يتجاوب الناس معهم بما فيه الكفاية.
ميللر: هذا يعتمد على أين تربى الكاتب. حين كنت ناشئا كانت هناك أزمة أمريكية اقتصادية كبرى، وكان السؤال هو: هل تصبح أمريكا فاشية أم اشتراكية أم بين بين؟ وكان لا بد من الاختيار فورا. ولكن الآن هذا التحديد لم يعد قاطعا. لقد سار النظام بدون حاجة إلى اختبارات راديكالية. عندنا نسبة بطالة 15٪ هذا صحيح، ولكنهم هادئون. - ألا تعتقد أنه لا تزال هناك مأساة أمريكية في حياة الولايات المتحدة الآن؟
ميللر: بالطبع. - ما هي؟
Bog aan la aqoon