وكان يقول لبنيه، كأنه حسب نصيبه من جانبيه، ورفع ميزانه بيديه: «إني لست في الشرك الذي لو مت عليه أدخلت النار، ولا في الإسلام الذي لو مت عليه أدخلت الجنة، فمهما قصرت فيه فإني متمسك بلا إله إلا الله.»
وكان يقول: «اللهم لا قوي فأنتصر ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت، لا إله إلا أنت.» ولم يزل يرددها حتى مات.
وردد في سرير موته استغفاره الذي يقول فيه: «اللهم أمرت بأمور ونهيت عن أمور، فتركنا كثيرا مما أمرت، ووقعنا في كثير مما نهيب ... اللهم لا إله إلا أنت، اللهم لا إله إلا أنت.»
ودخل عليه ابن عباس في مرض موته، فسأله: كيف أصبحت؟ قال: «أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلا وأفسدت كثيرا، فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب لهربت، فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي!» قال ابن عباس: هيهات يا أبا عبد الله ... فأجابه بكلمة يجري بها لسان من يحضرون السلطان ويردون الوقيعة عنده، كأنه أراد أن يستجلب رحمة الله بكلمة ابن عباس، فقال: «اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى!»
وليس بين العظماء في صدر الإسلام من استقبل الموت بكلام أجزل من هذا الكلام، وأدل منه على شعور صاحبه في مفترق الدنيا والآخرة، وجملة ما يدل عليه أنه كلام رجل ملأته الحياة ودوافعها القوية، فلم يخطر الموت بباله حتى خطر له مرة واحدة، وهو بين يديه لا منصرف عنه. •••
تلك أمثلة عابرة من كلماته المأثورة غير ما تقدمت الإشارة إليه في سياق الكتاب.
وقد رويت له آثار في الشعر والخطب الطوال تسلكه بين الشعراء والخطباء، فنسب إليه من الشعر هذان البيتان:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل
به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة
Bog aan la aqoon