فلا يبعد أنه أصاب شيئا من الميراث فأنفق منه ما أنفق بعد يأسه من تجارة الحبشة والشام، ولم يبق له عند ولايته على مصر إلا اليسير. •••
والاهتمام بنسب المترجم لهم واجب لازم في كل سيرة من السير، وهو في سيرة عمرو أوجب وألزم؛ لأن أثر الوراثة فيه أقوى من المعهود الشائع في العظماء عامة، وليس الأثر الذي استفاده من تلقين البيئة وفعل الرياضة النفسية بأقل من أثر الوراثة التي لا اختيار له فيها.
فمن أثر الوراثة مشابهة عمرو لأبيه في الخلقة والخليقة، ولولا قوة الشبه في الخلقة لما عرفت نسبته إلى أبيه وهو وليد.
ومن المشابهة في الخليقة حبه للمال والسيادة، واعتداده بالعصبية ونخوة القبيلة.
إلا أن المغمز الذي كان يؤلمه من نسبه إلى أمه قد كان له من قوة الأثر في تكوين فكره وتوجيه نفسه ما يعدل الوراثة، أو يزيد.
فاحتياجه إلى مداراة هذا المغمز، والغلبة على من يفاخرونه بكرم الأمومة، هو الذي أغراه فبالغ في إغرائه بالمال والرئاسة.
وشعوره بهذا المغمز هو الذي أعز أباه عنده، وعلقه بفخره وألهجه باسمه وسمعة ثرائه.
وكان لاعتداده بأبيه دخل في تعويق إسلامه وتأخير شهادته للدين الجديد إلى ما بعد موته، وقد كان يعلم ذلك من نفسه ويجهر به إذا فوتح فيه، فسأله رجل: «ما أبطأ بك عن الإسلام وأنت أنت في عقلك؟!» فقال: «إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدم، وكانوا ممن يوازي حلومهم الجبال، فلما بعث النبي
صلى الله عليه وسلم ، فأنكروا عليه فلذنا بهم، فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا وتدبرنا فإذا حق بين، فوقع في قلبي الإسلام!»
بل أصبح اعتداده بأبيه اعتدادا للعصبية بالقبائل الأولى، كمن فيه من أيام جاهليته إلى ما بعد إسلامه، وعالجه أحيانا فلم يستطع أن يجتثه من أصوله.
Bog aan la aqoon