67

Wakiilka Qarsoodiga ah: Sheeko Fudud

العميل السري: حكاية بسيطة

Noocyada

ورفع ستيفي، الذي كان مضطربا ومهتما بأخته الممسكة بذراعه، ذراعه الأخرى فوق رأسه مشيرا إلى الحافلة، ونجح في إيقافها.

بعد ساعة، رفع السيد فيرلوك عينيه من الجريدة التي كان يقرؤها - أو ينظر إليها على أي حال - خلف منضدة البيع، وبعد أن توقفت جلبة جرس الباب، رأى زوجته، ويني، تدخل وتعبر المتجر في طريقها إلى الطابق العلوي، يتبعها صهره ستيفي. كان مرأى السيد فيرلوك لزوجته باعثا على الرضا في نفسه. كانت هذه هي طبيعته. ظل السيد فيرلوك غير مدرك لوجود صهره بسبب التفكير الكئيب الذي كان قد خيم على عقله في الفترة الأخيرة وحجب عنه مظاهر العالم الحسية. تابع زوجته مثبتا ناظريه عليها، من دون أن يتفوه بكلمة، وكأنها كانت شبحا. كان صوته في المنزل أجش وهادئا، ولكنه الآن لم يكن يسمع على الإطلاق. لم يسمع صوته على العشاء، الذي دعته إليه زوجته بطريقتها المختصرة المعتادة: «أدولف.» جلس يتناول عشاءه من دون شهية وهو يرتدي قبعته المتراجعة كثيرا إلى الخلف على رأسه. لم يكن هذا انكبابا على الحياة خارج المنزل، ولكن التردد على المقاهي الأجنبية كان مسئولا عن تلك العادة، مغلفا ولاء السيد فيرلوك الثابت لحياته المنزلية بطابع من عدم استقرار معتاد. نهض مرتين عند صلصلة الجرس المتهالك، دون أن يتفوه بكلمة واختفى داخل المتجر وعاد صامتا. أثناء هاتين المرتين اللتين غاب فيهما فيرلوك، تنبهت السيدة فيرلوك بشدة إلى المكان الخالي على يمينها، وافتقدت أمها كثيرا، وأخذت تحدق في شرود؛ بينما ظل ستيفي، للسبب نفسه، يحرك قدميه، وكأن الأرض تحت الطاولة كانت ساخنة على نحو غير مريح. عندما عاد السيد فيرلوك وجلس في مكانه، وكأنه تجسيد للصمت نفسه، تغيرت طريقة تحديق السيدة فيرلوك تغييرا طفيفا، وتوقف ستيفي عن التململ بقدميه، بسبب احترامه الكبير ومهابته لزوج أخته. وجه إليه نظرات تعاطف تنم عن الاحترام. كان السيد فيرلوك حزينا وأسفا. كانت أخته ويني قد أفهمته (في حافلة المواصلات العامة) أنه سيجد السيد فيرلوك بالمنزل في حالة من الحزن، وأنه يجب ألا يقلق من ذلك. كان غضب والده وحدة طباع المستأجرين وجنوح السيد فيرلوك إلى الحزن المفرط، هي الرادع الرئيسي الذي كان يجعل ستيفي يكبح جماح نفسه. من بين هذه المشاعر، التي كان يمكن استثارتها بسهولة جميعها، ولكن لم يكن يسهل دوما فهمها، كان للأخيرة أكبر أثر أخلاقي لأنها كانت «طيبة». كانت والدته وأخته قد أقرتا بهذه الحقيقة عن أخلاقه بناء على أساس لا يتزعزع. أقرتا بها وأثبتتاها وعظمتاها من دون علم السيد فيرلوك؛ لأسباب لم يكن لها علاقة بالأخلاق المجردة. ولم يكن السيد فيرلوك على دراية بذلك. من الإنصاف التام للسيد فيرلوك القول إنه لم يكن لديه أي فكرة عن مظهره الصالح في عيني ستيفي. لكن هكذا كان الحال. بل إنه كان الرجل الوحيد المؤهل لفهم حالة ستيفي، والسبب أن المستأجرين كانوا نزلاء عابرين كما أنهم كانوا بعيدين كل البعد عن أن يكون لهم أي أثر واضح سوى ربما أثر أحذيتهم؛ وفيما يتعلق بتدابير أبيه التأديبية، فإن شعور أمه وأخته بالوحشة جعلهما تحجمان عن صوغ نظرية عن صلاحه أمام الضحية. كان هذا سيصبح في غاية القسوة. بل كان من المحتمل أيضا أن ستيفي ما كان سيصدقهما. وفيما يتعلق بالسيد فيرلوك، لم يكن يمكن لأي شيء أن يقف في وجه اعتقاد ستيفي. من الواضح أن السيد فيرلوك كان «صالحا» على نحو غامض. وحزن الرجل الصالح حزنا جليلا.

رمق ستيفي صهره بنظرات تنم عن تعاطفه وتبجيله له. كان السيد فيرلوك حزينا وأسفا. لم يشعر شقيق ويني من قبل بهذا القدر من التشارك الوثيق من سر طيبة ذلك الرجل. كان حزنا مفهوما. وكان ستيفي نفسه حزينا وأسفا. كان حزينا جدا. كان نوع الحزن نفسه. ولما انجذب انتباه ستيفي إلى هذه الحالة غير السارة، أخذ يحرك قدميه. كان معتادا أن تظهر مشاعره في انفعالات أطرافه.

قالت السيدة فيرلوك بنبرة آمرة وعطوفة: «أبق قدميك ساكنتين، يا عزيزي.» ثم استدارت إلى زوجها بنبرة غير مبالية، تمثل فيها أداء بارعا للباقة غريزية، وسألته: «هل ستخرج الليلة؟»

بدا التلميح البسيط مستقبحا للسيد فيرلوك. هز رأسه بكآبة، ثم جلس ساكنا منكسا عينيه، ناظرا لدقيقة كاملة إلى قطعة الجبن الموضوعة في الطبق أمامه. في نهاية ذلك الوقت، نهض وخرج، خرج في صلصلة جرس باب المتجر. يتصرف هكذا على نحو غير متسق، ليس بسبب أي رغبة منه في أن يكون مستهجنا، ولكن بسبب قلق لا يقهر. لم يكن ثمة نفع على الإطلاق من خروجه. لم يكن يستطيع أن يجد في أي مكان في لندن ما كان يريده. لكنه خرج. أخذت تراوده مجموعة من الأفكار الكئيبة وهو يمشي في شوارع مظلمة، وعبر شوارع مضيئة، ودخل حانتين وخرج منهما بسرعة، وكأنه يحاول دون حماسة أن يمضي الليل كله خارج البيت؛ وأخيرا عاد إلى بيته المهدد بخطر وشيك، حيث جلس متعبا خلف منضدة البيع، واحتشدت الأفكار في رأسه بإلحاح، مثل مجموعة من كلاب صيد سوداء جائعة. بعدما أقفل باب المنزل وأطفأ مصباح الغاز، أخذها معه إلى الطابق العلوي، ويا لها من رفقة مخيفة لرجل ذاهب إلى الفراش. كانت زوجته قد سبقته ببعض الوقت، وبهيئتها الكبيرة المحددة بغير وضوح تحت اللحاف، ورأسها على الوسادة، وإحدى يديها تحت خدها أوحت لذهنه الشارد بمشهد نعاس مبكر يبرهن على امتلاكها لروح وادعة. حدقت عيناها الواسعتان المفتوحتان على اتساعهما، والخامدتان والداكنتان مقارنة ببياض اللحاف المصنوع من الكتان. لم تتحرك.

كانت روحها وادعة. شعرت في أعماقها بأنه من غير المستحسن التنقيب عن بواطن الأمور. تشكلت قوتها وحكمتها من تلك الغريزة. ولكن صمت السيد فيرلوك أثقل صدرها لأيام كثيرة. وفي الحقيقة، كان صمته يؤثر في أعصابها. لما كانت مستلقية، بهدوء قالت، وهي مضطجعة وساكنة: «ستصاب بنزلة برد إذا ظللت تتمشى بجوربك هكذا.»

هذا الكلام، الخليق باعتناء زوجة وحيطة امرأة، باغت السيد فيرلوك. كان قد ترك حذاءه في الطابق السفلي، لكنه نسي أن يرتدي خفه، وظل يغدو ويروح في غرفة النوم على الألواح من دون صوت مثل دب محبوس في قفص. عند سماعه صوت زوجته، توقف وحدق فيها طويلا بنظرة خالية من التعبير كنظرة رجل مصاب باضطراب المشي أثناء النوم، مما جعل زوجته تحرك أطرافها قليلا تحت اللحاف. لكنها لم تحرك رأسها ذا الشعر الأسود الغارق في الوسادة البيضاء وإحدى يديها تحت خدها وعيناها الكبيرتان السوداوان لا ترمشان.

بتأثير من حملقة زوجها الخالية من التعبير، وتذكرها لغرفة أمها الخالية على بسطة الدرج، شعرت بانقباض وحدة كئيب. لم تكن قد افترقت عن أمها من قبل. كانت إحداهما تعضد الأخرى. شعرت أنهما كانتا كذلك، وقالت لنفسها إن أمها الآن قد رحلت ... رحلت إلى الأبد. لم تكن السيدة فيرلوك تتوهم ذلك. ولكن ستيفي بقي على أي حال. قالت: «فعلت أمي ما أرادت. ولا يمكنني أن أرى أي منطق فيما فعلته. أنا متأكدة من أنه لم يخطر على بالها أنك قد سئمت منها. من الغريب للغاية أن تتركنا بتلك الطريقة.»

لم يكن السيد فيرلوك شخصا واسع الاطلاع؛ كان ما يعرفه من عبارات التلميح محدودا، ولكن كان ثمة توافق غريب في الظروف جعله يفكر في الفئران التي تهرب من سفينة على وشك الغرق. كاد أن يقول هذا. كان قد تزايد لديه الشعور بالتشكك والمرارة. هل من الممكن أنه كان لدى المرأة العجوز ذلك الحدس الذي لا يخيب؟ لكن انعدام معقولية ذلك الشك كان واضحا، ومن ثم أمسك السيد فيرلوك لسانه. ولكن لم يمسكه عن الحديث تماما. تمتم بتثاقل: «ربما يكون ذلك أمرا طيبا.»

بدأ في خلع ملابسه. ظلت السيدة فيرلوك ساكنة، دون حراك تماما، وعيناها تحملقان بنظرة حالمة وهادئة. وبدا أن قلبها قد توقف أيضا لجزء من الثانية. في تلك الليلة «لم تكن على سجيتها» كما يقال، كان الأمر يثقل كاهلها حتى إن جملة بسيطة يمكن أن تحمل معاني متعددة، أغلبها بغيض. كيف يكون ذلك أمرا طيبا؟ ولماذا؟ ولكنها لم تسمح لنفسها بأن تسقط في هوة التكهنات العقيمة. وبالأحرى تأكدت في أعماقها من أنه من المستحسن عدم التنقيب عن بواطن الأمور. ولأنها كانت تفكر بطريقة عملية ودقيقة، أبرزت موضوع ستيفي دون إضاعة للوقت؛ لأن وحدة القصد لديها كانت ذات طبيعة لا تخطئ وقوة غريزية. «لا أعلم حقا ما الذي سأفعله كي أسري عن ذلك الفتى في الأيام القليلة القادمة. سيظل قلقا من الصباح حتى المساء قبل أن يعتاد على غياب أمه. كما أنه فتى طيب. لا أستطيع الاستغناء عنه.»

Bog aan la aqoon