Wakiilka Qarsoodiga ah: Sheeko Fudud
العميل السري: حكاية بسيطة
Noocyada
حدق الآخر في وجهه. ظل يحدق دون أن يرمش بثبات تام بعينيه المستديرتين، مثلما اعتاد على التحديق في وجوه المجرمين بأنواعهم عندما يدلون بأقوالهم، بعد تحذيرهم على النحو الواجب، بنبرة تنطوي على براءة مجروحة، أو سذاجة زائفة، أو استسلام متجهم. ولكن خلف هذا الثبات المهني والمتحجر كان يوجد أيضا بعض الاندهاش، إذ لم يعتد كبير المفتشين هيت، الذراع اليمنى للإدارة، أن يخاطب بتلك النبرة التي تجمع على نحو واضح بين الاحتقار ونفاد الصبر، لم يعتد كبير المفتشين هيت، الذراع اليمنى للإدارة في الإدارة، على مخاطبته بتلك النبرة. بدأ بطريقة تتسم بالمماطلة، مثل رجل بوغت على حين غرة بتجربة جديدة وغير متوقعة. «هل تقصد، يا سيدي، ما لدي ضد المدعو ميكايليس؟»
تأمل المفوض المساعد الرأس المستدير؛ طرفا ذلك الشارب الذي يشبه شوارب القراصنة الإسكندنافيين، اللذان يتدليان تحت خط الفك الكبير؛ كل ملامح الوجه الممتلئ والشاحب، الذي أفسد تراكم الجلد طابعه الحازم؛ واستقى من التجاعيد الماكرة التي تبرز من زوايتي عينيه الخارجيتين، ومن ذلك التأمل المتأني في الضابط القدير والموثوق فيه، استقى قناعة كانت مفاجئة جدا حتى إنها دفعته كما لو كانت إلهاما.
قال بنبرة مدروسة: «لدي سبب يدعوني إلى أن أظن أن من كان في ذهنك عندما دخلت إلى هذه الغرفة لم يكن ميكايليس؛ لم يكن هو في المقام الأول، وربما لم يكن هو على الإطلاق.»
تمتم كبير المفتشين هيت، وقد اعترته كل مظاهر الذهول، الذي كان حقيقيا إلى حد ما: «لديك سبب يدعوك إلى أن تظن ذلك، يا سيدي؟» كان قد اكتشف في هذه القضية جانبا حساسا ومحيرا، يفرض عليه قدرا معينا من المراوغة، ذلك النوع من المراوغة الذي يظهر في مرحلة معينة في معظم الشئون الإنسانية، مندرجا تحت اسم المهارة أو الحصافة أو التحفظ. شعر في هذه اللحظة بما قد يشعر به بهلوان يمشي على حبل مشدود لو خرج فجأة مدير قاعة الموسيقى، في وسط العرض، عن نطاق عمله الإداري المنوط به وبدأ في هز الحبل. من شأن السخط المبرر، الشعور بانعدام الأمان الأخلاقي الناجم عن مثل هذا التصرف الغادر المقترن بخوف فوري من كسر في الرقبة، أن يوقعه، حسب المصطلح العامي، في حيص بيص. وسينتابه كذلك بعض القلق المروع على الفن الذي يؤديه أيضا؛ لأنه يتعين على أي رجل أن يميز نفسه بشيء ملموس يتجاوز شخصيته، وأن يثبت اعتداده بنفسه بطريقة ما، إما بوضعه الاجتماعي، أو بإتقانه لعمله الذي هو ملزم بأدائه، أو بمجرد ميزة التبطل الذي قد يحالفه الحظ في أن يستمتع به.
قال المفوض المساعد: «نعم، لدي. لا أقصد القول بأنك لم تفكر في ميكايليس على الإطلاق. ولكنك تمنح الحقيقة التي ذكرتها أهمية كبيرة يدهشني أنه ينقصها الصراحة، أيها المفتش هيت. إذا كان ذلك هو حقا مسار استنتاجك، فلماذا لم تتعقبه على الفور، إما بنفسك أو بإرسال أحد رجالك إلى تلك القرية؟»
سأل كبير المفتشين بنبرة سعى إلى أن يجعلها تأملية ببساطة: «هل تظن، يا سيدي، أنني أخفقت في واجبي في ذلك الأمر؟» مجبرا على نحو غير متوقع على تركيز قدراته على مهمة الحفاظ على توازنه، استغل تلك النقطة، وعرض نفسه للوم؛ إذ أدرك المفوض المساعد، مقطبا جبينه قليلا، أن هذه الملاحظة التي أبداها كانت غير ملائمة جدا.
تابع ببرود: «ولكن بما أنك أثرت هذه النقطة، فدعني أخبرك بأن هذا ليس المقصود من كلامي.»
توقف قليلا عن الكلام، ونظر إليه نظرة مباشرة من عينيه الغائرتين كانت معادلا تاما للتتمة التي لم ينطق بها: «وأنت تعرف ذلك.» كان لدى رئيس ما يسمى بإدارة الجرائم الخاصة، المحروم بسبب منصبه من الخروج بنفسه سعيا وراء الأسرار الحبيسة في صدور المذنبين، ميل إلى ممارسة مواهبه الكبيرة في اكتشاف الحقيقة التي تدين مرءوسيه. لا يمكن أن نطلق على تلك الغريزة المميزة نقطة ضعف. بل كانت فطرية فيه. فقد ولد كي يكون محققا. كانت هذه الغريزة قد تحكمت في اختياره لحياته المهنية من دون أن يعي ذلك، وإذا كانت قد خذلته في حياته يوما ما، فربما حدث هذا في ظرف استثنائي وحيد هو زواجه؛ وهو وما كان طبيعيا أيضا. لقد تغذت هذه الغريزة الفطرية لديه على المادية البشرية التي كانت تأتيه في عزلته الرسمية، بما أنه لم يكن بوسعه أن يستخدمها خارجها. لا يمكننا أبدا أن نتوقف عن أن نمارس طبيعتنا.
مسندا كوعه على المكتب، ومريحا وجنته على راحة يده الهزيلة، أخذ المفوض المساعد المسئول عن إدارة الجرائم الخاصة يمسك بزمام القضية باهتمام متزايد. إن لم يكن كبير مفتشيه خصما جديرا تماما بذكائه، فعلى أي حال كان الأجدر بين كل من كانوا تحت إمرته. كان انعدام الثقة في أصحاب السمعة الراسخة يتوافق توافقا تاما مع قدرة المفوض المساعد على التحري. استحضرت ذاكرته زعيما محليا مسنا سمينا وثريا في المستعمرة البعيدة التي دأب حكامها الاستعماريون المتعاقبون على أن يثقوا به ويستفيدوا منه باعتباره صديقا حميما وداعما للنظام والشرعية التي أنشأها الرجال البيض؛ ولكن استقصي أمره بارتياب، اكتشف أنه في الأساس صديق لنفسه فحسب، وليس لأي أحد آخر. لم يكن خائنا على وجه التحديد، ولكنه كان لا يزال رجلا عليه تحفظات خطيرة حول إخلاصه، مردها مراعاة واجبه لمصلحته الخاصة وراحته وسلامته الشخصية. كان رجلا يتصف ببعض البراءة في نفاقه الساذج، لكنه مع ذلك كان خطيرا. استخلص من ذلك بعض النتائج. كان هو الآخر رجلا ضخم البنية و(باستثناء الفرق في اللون بالطبع)، كان مظهر كبير المفتشين هيت يذكره بذلك الذي كان يفوقه. لم يكن ما يذكره به هو العينين ولا الشفتين تحديدا. كان ذلك غريبا. ولكن ألم يرو ألفريد والاس في كتابه الشهير عن أرخبيل الملايو كيف اكتشف في همجي مسن وعار وله بشرة قاتمة، من سكان جزيرة آرو، تشابها غريبا مع صديق عزيز له في وطنه؟
لأول مرة منذ أن تولى المفوض المساعد منصبه، شعر وكأنه سيؤدي عملا حقيقيا نظير راتبه. وكان ذلك شعورا سارا. فكر المفوض المساعد في نفسه، وعيناه تنظران بجدية إلى كبير المفتشين هيت: «سأجعله يفصح عن كل ما يخفيه.»
Bog aan la aqoon