43

Wakiilka Qarsoodiga ah: Sheeko Fudud

العميل السري: حكاية بسيطة

Noocyada

كان ميكايليس محل اشمئزاز من الشعور الشعبي، وهو نفس الشعور الذي كان قد استحسن منذ سنوات ضراوة عقوبة بالسجن المؤبد صدرت في حقه لتورطه في محاولة جنونية لإنقاذ بعض السجناء من إحدى عربات الشرطة. كان المتآمرون قد خططوا لإرداء الخيول صرعى وإخضاع الحرس. ولكن لسوء الحظ، أردي أيضا أحد أفراد الشرطة صريعا بطلق ناري. خلف الشرطي زوجة وثلاثة أطفال صغار، وأثار موت ذلك الرجل، في أرجاء مملكة يموت رجال كل يوم من أجل الدفاع عنها وعن رفاهيتها ومجدها بداعي الواجب، موجة غضب مستعرة، وشفقة عارمة من أجل الضحية. أعدم ثلاثة من زعماء العصابة. لم يكن ميكايليس، الشاب النحيل، وصانع الأقفال المتمرس، وكثير التردد على المدارس المسائية، يعرف حتى أن أحدا قد قتل؛ إذ كان دوره هو وحفنة آخرون فتح الباب الخلفي لوسيلة النقل الخاصة عنوة. عندما ألقي القبض عليه، كان يحمل مجموعة من المفاتيح الهيكلية في جيب، وإزميلا ثقيلا في آخر، وعتلة قصيرة في يده؛ مما كان يعني أنه كان لصا لا أكثر ولا أقل. ولكن لم يكن أي لص قد حكم عليه بتلك العقوبة المغلظة من قبل. أصابه مقتل الشرطي بحزن شديد، ولكن فشل المؤامرة أحزنه أيضا. لم يخف أيا من هذه المشاعر عن مواطنيه المحلفين، وكان صادما أن هذا الندم لم يظهر بصورة كاملة للحاضرين الذين عجت بهم قاعة المحكمة. وعند إصدار الحكم علق القاضي، معبرا عن شعوره، على فسوق السجين الشاب وقسوته.

أدى ذلك إلى ذيوع الصيت غير المبرر لإدانته؛ وكان ذيوع الصيت، غير المبرر هو الآخر، للإفراج عنه، صنيعة أناس رغبوا في استغلال الجانب العاطفي لسجنه إما لأغراض خاصة بهم أو لغرض غير واضح. سمح لهم بذلك لبراءة قلبه وبساطة عقله. لم يكن يأبه لأي شيء يحدث له على المستوى الفردي. كان مثل أولئك القديسين الذين تضيع شخصيتهم في التأمل في إيمانهم. لم تكن أفكاره تمثل قناعات. كان يصعب الوقوف على منطقها. شكلت لديه، بكل تناقضاتها وغموضها، عقيدة إنسانية صلبة، اعترف بها ولم يبشر بها، بدماثة عنيدة، وابتسامة واثقة مسالمة على شفتيه، وكان يخفض عينيه الزرقاوين الصادقتين لأن مرأى الوجوه كان يكدر صفو إلهامه الذي تشكل في عزلته. في هذا الموقف المميز، رأى المفوض المساعد صاحب الإفراج المشروط وهو يشغل كرسيا بذراعين من خلف الحاجز، بمظهره المثير للشفقة بسبب البدانة الفظيعة التي لا شفاء منها لجسد كان عليه أن يجرجره مثل ثقل يجرجره عبد كتب عليه العمل على مجداف سفينة حتى نهاية حياته. جلس هناك بالقرب من رأس أريكة السيدة العجوز، معتدل الصوت وهادئا، وبثقة في نفسه لم تكن تزيد عن ثقة طفل صغير جدا، وكان فيه بعض من جاذبية الأطفال، السحر الجذاب للثقة في الآخرين. واثقا من المستقبل الذي كانت أسراره قد تكشفت له داخل الجدران الأربعة لسجن معروف، لم يكن لديه ما يدعو للنظر بعين الريبة إلى أي شخص. إن لم يستطع أن يعطي هذه السيدة العظيمة والفضولية فكرة محددة للغاية عما سيئول إليه مصير العالم، فقد نجح دون جهد في أن يثير إعجابها بإيمانه الذي لا يتزعزع وبتفاؤله الفائق.

يشيع نوع من بساطة التفكير بين الأشخاص الذين يتمتعون بسكون الروح على طرفي السلم الاجتماعي. كانت السيدة النبيلة بسيطة بطريقتها الخاصة. لم يكن في آرائه ومعتقداته ما يصدمها أو يدهشها؛ لأنها حكمت عليها من منطلق مكانتها الرفيعة. في الحقيقة، كان يسهل على رجل من ذلك النوع أن ينال تعاطفها. لم تكن هي نفسها رأسمالية مستغلة؛ بل كانت، إذا جاز التعبير، متسامية عن لعبة الظروف الاقتصادية. وكانت تتمتع بقدرة كبيرة على الشفقة تجاه الأشكال الأوضح للمآسي الشائعة بين البشر، والسبب في ذلك على وجه التحديد أنها لم تجربها قط حتى إنها اضطرت إلى ترجمة مفهومها عنها إلى مصطلحات عن المعاناة العقلية قبل أن تتمكن من فهم فكرة شناعتها. تذكر المفوض المساعد جيدا الحديث الذي دار بين هذين الاثنين. كان قد أخذ يستمع في صمت. كان الحديث مثيرا بطريقة ما، بل إنه كان مؤثرا في عبثيته القدرية، مثل الجهود التي تبذل من أجل التواصل الأخلاقي بين سكان كواكب بعيدة. لكن هذا التجسيد الغريب للعاطفة الإنسانية كان يستهوي خيال المرء بطريقة ما. في النهاية، نهض ميكايليس، وأمسك يد السيدة النبيلة الممدودة، وصافحها، وظل ممسكا فيها لبرهة في راحته الضخمة اللينة بود غير محرج، وأدار للركن الخاص الذي يتمتع ببعض الخصوصية في غرفة الاستقبال ظهره، الواسع والمربع، وكأنه منتفخ تحت سترته القصيرة من قماش التويد. نظر حوله بلطف هادئ، وتبختر متجها إلى الباب البعيد بين مجموعات من زوار آخرين. توقفت همهمات المحادثات عند مروره. ابتسم ببراءة إلى فتاة طويلة وجميلة تلاقت عيناها بعينيه بالصدفة، وخرج غير منتبه إلى النظرات التي كانت تتابعه عبر الغرفة. كان الظهور الأول لميكايليس على الملأ ناجحا؛ نجاح تقدير لا تشوبه همسة سخرية واحدة. استؤنفت المحادثات التي كانت قد قطعت بنبرتها السابقة، عالية كانت أو منخفضة. لم يعلق بصوت مسموع سوى صوت رجل صحيح البنية، طويل الأطراف، بادي النشاط في الأربعين من عمره، متحدثا إلى سيدتين بالقرب من النافذة، بتأثر شديد غير متوقع: «وزنه ثمانية عشر ستونا، على ما أظن، وطوله لا يصل إلى خمس أقدام وست بوصات. يا له من بائس! هذا مريع؛ مريع.»

بدت سيدة المنزل، التي كانت تحدق بشرود في المفوض المساعد، الذي بقي وحده معها في الجانب الخاص من الحاجز، وكأنها تعيد ترتيب انطباعاتها الفكرية وراء جمود وجهها المسن الجميل، الدال على الاستغراق في التفكير. اقترب رجال بشوارب رمادية، ووجوه ممتلئة، متمتعة بالصحة، تبتسم بغموض، متحلقين حول الحاجز؛ وانضم إليهم امرأتان ناضجتان يعلوهما وقار حزم لطيف؛ وشخص حليق الذقن غائر الوجنتين، ويعلق نظارة ذات إطار مذهب في شريط أسود عريض معطيا انطباعا محافظا أنيقا. للحظة ساد صمت ينطوي على مراعاة واحترام، لكنه مليء بتحفظات، ثم صاحت السيدة النبيلة، ليس باستياء، وإنما بنوع من السخط المحتج: «ومن المفترض، وبشكل رسمي، أن يكون ذلك الشخص ثوريا! يا له من هراء.» بنظرة محتدة رمقت المفوض المساعد، الذي تمتم مبررا: «ربما ليس خطرا.»

قالت السيدة النبيلة بنبرة حازمة: «ليس خطرا؛ لا أظن ذلك حقا. إنه مجرد مؤمن بتلك الأفكار. طباعه طباع قديس. وأبقوه محبوسا مدة عشرين سنة. إن بدن المرء ليقشعر من الغباء الذي ينطوي عليه ذلك. والآن بعد أن أطلقوا سراحه، كل من له صلة به إما أنه رحل بعيدا إلى مكان ما أو مات. لقي والداه نحبهما؛ والفتاة التي كان سيتزوجها ماتت وهو في السجن؛ وفقد المهارة اللازمة لحرفته اليدوية. أخبرني بهذا كله بنفسه بصبر جميل؛ ولكنه بعد ذلك، كما قال، صار لديه متسع من الوقت للتفكير في أمور تخصه. يا له من تعويض جميل! إذا كانت تلك هي الطريقة التي يصنع بها الثوار، فربما سيركع البعض منا أمامهم.» تابعت بنبرة مازحة بعض الشيء، بينما تحولت نحوها ابتسامات المجتمع التافه المتصلبة على الوجوه، المتشبثة بالأمور الدنيوية، باحترام تقليدي. «من الواضح أن هذا المخلوق البائس لم يعد في وضع يسمح له بالاعتناء بنفسه. سيتعين على شخص ما أن يرعاه قليلا.»

سمع الصوت العسكري للرجل بادي النشاط وهو ينصح بجدية من مسافة بعيدة: «ينبغي أن يوصى باتباع نظام علاجي ما.» كان في حالة صحية ممتازة مقارنة بعمره، وحتى نسيج معطفه الطويل المشقوق الذيل كان يتسم بمتانة مرنة، وكأنه نسيج حي. أردف بتأثر جلي: «الرجل عاجز فعليا.»

تمتمت أصوات أخرى بتعاطف سريع، وكأنها سعدت بذلك التمهيد. «مفزع جدا»، «ضخم للغاية»، «من المؤلم رؤيته.» تلفظ الرجل النحيل الذي يرتدي نظارة معلقة في شريط عريض بكلمة «مشوه»، التي لاقت، كونها كانت منصفة، تقديرا ممن كانوا يقفون بالقرب منه. ابتسم كل منهم للآخر.

لم يبد المفوض المساعد أي رأي لا في ذلك الوقت ولا بعد ذلك؛ إذ كان منصبه يمنعه من أن يجاهر بأي رأي مستقل عن سجين مدان خرج بإطلاق سراح مشروط. ولكنه، في الحقيقة، كان يشاطر صديقة زوجته والراعية الرأي القائل بأن ميكايليس كان عاطفيا محبا للخير، مجنونا بعض الشيء، ولكنه بوجه عام لا يستطيع أن يؤذي ذبابة عن قصد. لذا عندما ظهر ذلك الاسم فجأة في قضية التفجير المحيرة هذه، أدرك كل مخاطرها على صاحب الإفراج المشروط، وعلى الفور خطر على ذهنه افتتان السيدة العجوز الراسخ به. ما كان عطفها غير المبرر سيصبر على احتمال أي تعرض لحرية ميكايليس. كان افتتانا عميقا وهادئا وواثقا. لم تشعر بأنه مسالم فحسب، بل إنها قالت ذلك، وهو ما صار أخيرا بفعل تشوش في عقلها المستبد ضربا من البراهين التي لا جدال فيها. بدا وكأنها افتتنت بضخامة الرجل، ذي العينين الطفوليتين البريئتين والابتسامة الملائكية لوجهه البدين. كان قد بلغ بها الحال أنها كادت أن تصدق نظريته عن المستقبل؛ إذ إنها لم تكن تتعارض مع تحيزاتها. كرهت عنصر البلوتوقراطية الجديد في التركيبة الاجتماعية، وعلى نحو شخصي بدا لها النظام الاقتصادي القائم على التصنيع، باعتباره سبيلا لتطور البشر، مثيرا للاشمئزاز بسبب طابعه الآلي والخالي من المشاعر. لم تكن الآمال الإنسانية لميكايليس المعتدل تميل إلى الدمار الكامل، وإنما إلى مجرد الخراب الاقتصادي الكامل للنظام. وهي في الحقيقة لم تتبين مكمن الضرر الأخلاقي في ذلك. كان من شأنه أن يقضي على جميع الحشود من «محدثي النعمة» الذين كانت تكرههم ولا تثق فيهم، ليس بسبب وصولهم إلى مكانة مميزة (فقد أنكرت ذلك)، وإنما بسبب جهلهم الشديد بالعالم، الذي كان السبب الرئيسي لقسوة قلوبهم وغلظتها. بزوال فكرة رأس المال سيختفون هم أيضا؛ ولكن الخراب الشامل (شريطة أن يكون شاملا، وفقا لما تكشف لميكايليس) لن يمس القيم الاجتماعية. لن يؤثر اختفاء آخر حفنة من المال على أصحاب المناصب. لم تتصور كيف يمكن أن يؤثر ذلك على وضعها، على سبيل المثال. كانت المرأة العجوز قد أوصلت هذه التصورات إلى المفوض المساعد بكل الجرأة الهادئة التي تليق بامرأة كانت قد تحررت من آفة اللامبالاة. كان قد وضع لنفسه قاعدة لتلقي كل شيء من ذلك القبيل بصمت تعلمه من السياسة ومن ميله إلى عدم الإساءة. كانت لديه عاطفة تجاه راعية ميكايليس المسنة، عاطفة معقدة تعتمد قليلا على هيبتها وعلى شخصيتها، ولكنها تعتمد في المقام الأول على غريزة الامتنان المجاملة لديها. شعر بأنه محبوب حقا في منزلها. كانت تجسيدا للطف. وكانت أيضا حكيمة من الناحية العملية، على غرار النساء ذوات الخبرة. جعلت حياته الزوجية أسهل بكثير مما كانت ستصبح عليه لو غاب اعترافها السخي الكامل بحقوقه باعتباره زوج آني. كان تأثيرها رائعا على زوجته، وهي امرأة كانت نهبا لكل أنواع الحسد والحقد والغيرة مهما كانت صغيرة. مع الأسف، كان لكل من عطفها وحكمتها طابع غير معقول، طابع أنثوي متأصل، ويصعب التعامل معه. ظلت امرأة مثالية طيلة سنوات عمرها، ولم تتغير إلى حال يتغير إليه بعضهن؛ اللواتي يتحولن إلى رجل عجوز مزعج يرتدي تنورات نسائية. وكان يفكر فيها كامرأة؛ باعتبارها التجسيد المنتقى للأنوثة، الذي يجند حارسا يجمع بين الرقة والبراعة والشراسة كي يحرسه من كل أنواع الرجال الذين يتحدثون تحت تأثير العاطفة سواء كانت حقيقية أم مزيفة؛ من الواعظين والعرافين والقادة الملهمين والمصلحين.

تقديرا للصديقة المميزة والمقربة لزوجته، وله، بتلك الطريقة، أصبح المفوض المساعد قلقا بشأن المصير المحتمل للمجرم المدان ميكايليس. بمجرد إلقاء القبض عليه للاشتباه في كونه بطريقة ما، مهما كانت مستبعدة، طرفا في هذا الاعتداء، فربما لا يستطيع الرجل أن يهرب من أن يزج به إلى السجن مرة أخرى لإنهاء مدة عقوبته على الأقل. وذلك قد يودي بحياته؛ فلن يخرج حيا أبدا. فكر المفوض المساعد بأسلوب لا يليق بمنصبه الرسمي وإن كان أسلوبا مشرفا حقا لإنسانيته.

فكر في نفسه: «لو ألقي القبض على الرجل مرة أخرى، فلن تسامحني أبدا.»

Bog aan la aqoon