Wakiilka Qarsoodiga ah: Sheeko Fudud
العميل السري: حكاية بسيطة
Noocyada
توقف الشرطي؛ وارتسمت على وجهه المستدير ابتسامة طفولية تنم عن ومضة بريئة من الإشادة بالنفس.
قال بثبات: «تعثر. تعثرت أنا نفسي مرة، ووقعت على رأسي أيضا وأنا أركض. جذور الأشجار هذه تبرز في المكان كله. تعثر في جذر شجرة وسقط، ولا بد أن ذلك الشيء الذي كان يحمله قد سقط تحت صدره مباشرة، حسبما أتوقع.»
انزعج كبير المفتشين انزعاجا شديدا من تردد كلمة «شخص مجهول» التي أخذت تتكرر في وعيه الداخلي. ود لو تتبع هذه القضية إلى منبعها الغامض حتى يصل إلى المعلومات التي يريدها. كان فضوليا باحتراف. وأمام العامة، رغب في أن يدافع عن كفاءة إدارته بالكشف عن هوية ذلك الرجل. كان يمتاز بالإخلاص في عمله. لكن تلك المهمة بدت مستحيلة. بداية القضية كانت لغزا يصعب حله؛ إذ لم تكن توجد أي احتمالات باستثناء تلك التي تتسم بالقسوة الشنيعة.
متغلبا على نفوره مما يراه، مد كبير المفتشين هيت يده دون اقتناع بأن هذا سيريح ضميره، ورفع أقل قطعة متسخة من الخرق. كانت شريطا مخمليا صغيرا مع قطعة أكبر مثلثة الشكل من قماش أزرق داكن تتدلى منه. رفعها حتى مستوى عينيه، وتحدث الشرطي. «ياقة مخملية. المضحك أن المرأة العجوز لاحظت الياقة المخملية. معطف أزرق داكن له ياقة مخملية، هي أخبرتنا بذلك. إنه الرجل الذي رأته، بلا شك. وها هو كل ما تبقى منه، الياقة المخملية وكل شيء. لا أظن أنني أغفلت قطعة واحدة حتى لو كانت بحجم طابع بريد.»
في هذه اللحظة، توقف كبير المفتشين صاحب القدرات المتمرس عن الاستماع إلى صوت الشرطي. تحرك تجاه إحدى النوافذ من أجل إضاءة أفضل. أشاح بوجهه عن الغرفة، وارتسم عليه تعبير ينم عن اهتمام مذهول بالغ وهو يتفحص عن كثب قطعة القماش الكبيرة ذات الشكل المثلث. بحركة مفاجئة جذبها وفصلها، وبعد أن وضعها في جيبه استدار إلى الغرفة، ورمى الياقة المخملية على الطاولة مرة أخرى ...
أمر الحاضرين باقتضاب قائلا: «غطوه.» دون أن ينظر مرة أخرى، وبعدما ألقى الشرطي عليه التحية، حمل ما أخذه وانطلق على عجل.
أقله قطار قريب إلى المدينة؛ إذ سافر بمفرده مستغرقا في التفكير، في مقصورة في الدرجة الثالثة. كانت قطعة القماش المحترقة تلك ذات قيمة كبيرة للغاية، ومن ثم لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يندهش من الطريقة العرضية التي أصبحت بها في حوزته. بدا وكأن القدر قد رمى هذا الدليل بين يديه. وبطريقة الرجل العادي، الذي يطمح إلى الإمساك بدفة الأحداث، بدأ يفقد الثقة في هذا النجاح غير المبرر والعرضي، لمجرد أنه بدا مفروضا عليه. تعتمد القيمة الفعلية للنجاح، بقدر ليس بالقليل، على منظور الفرد. ولكن القدر ليس له منظور. إنه لا يمتلك قدرة على التمييز. لم يعد يعتبر أنه من المرغوب فيه بقدر كبير من كل النواحي إعلان هوية الرجل الذي كان قد فجر نفسه في ذلك الصباح بتلك الطريقة المروعة. ولكنه لم يكن واثقا من وجهة النظر التي ستتبناها إدارته. تمثل الإدارة لأولئك الذين توظفهم شخصية معقدة تتمتع بأفكارها وحتى نزعاتها الخاصة. إنها تعتمد على التفاني المخلص من موظفيها، والإخلاص المتفاني من الموظفين الموثوق فيهم مرتبط بقدر معين من الاحتقار الودود، مما يبقي الأمر محببا، إن جاز التعبير. وبناء على بند خير في الطبيعة، لا يوجد رجل يراه خادمه بطلا، وإلا لاضطر الأبطال إلى غسل ملابسهم بأنفسهم. وبالمثل، لا توجد إدارة حكومية تبدو حكيمة تماما في العلاقة مع العاملين بها. لا تعرف الإدارة الحكومية بقدر ما يعرف بعض الموظفين لديها. ولكونها كيان نزيه، فلا يمكن أبدا أن تكون على إلمام كامل بكل شيء. فالإلمام بمعلومات أكثر من اللازم لن يكون جيدا لكفاءتها. نزل كبير المفتشين هيت من القطار وهو في حالة تأمل لا تشوبها الخيانة على الإطلاق، ولكنها لم تخل من انعدام الثقة النابع من الغيرة الذي غالبا ما ينبع من التفاني التام، سواء تجاه النساء أو تجاه المؤسسات.
كان في هذه الحالة العقلية، التي فصلته عن الواقع، ولكنه كان لا يزال يشعر بالغثيان مما رآه، عندما لاقى البروفيسور. في ظل هذه الظروف التي تدخل الغضب إلى قلب أي رجل سليم وطبيعي، لم يكن هذا اللقاء مرحبا به من جانب كبير المفتشين هيت على وجه الخصوص. لم يكن يفكر في البروفيسور؛ بل إنه لم يفكر في أي فرد من جماعة اللاسلطويين على الإطلاق. كانت طبيعة تلك القضية قد فرضت عليه بطريقة ما فكرة عامة عن عبثية الكائنات البشرية، التي هي من الناحية المجردة مزعجة كثيرا لمزاج غير فلسفي، وفي حالات محددة تصبح مثيرة للسخط بدرجة تفوق تحمله. لما خطا كبير المفتشين هيت أولى خطواته في مسيرته المهنية، اهتم بالقضايا المعنية بأشكال السرقة الرائجة في ذلك الوقت. وأثبت مهارته في هذا المجال، وبطبيعة الحال لازمه نحوه، بعد ترقيته إلى إدارة أخرى، إحساس ليس بعيدا كل البعد عن المودة. السرقة ليست عبثا محضا. السرقة شكل من العمل البشري، عمل منحرف بلا ريب، لكنه يظل عملا يمارس في عالم كادح؛ فالسارق يسرق من أجل الأسباب نفسها التي يستند إليها عامل الفخار، والعامل في المناجم، وفي الحقول، وفي ورش الحدادة. إنها عمل يختلف عن أشكال الأعمال الأخرى في طبيعة المخاطرة فيه، التي لا تكمن في الإصابة بتصلب المفاصل، أو بتسمم الرصاص، أو بغاز المناجم، أو بالغبار الرملي، ولكن فيما يمكن تعريفه بإيجاز بلغته الخاصة في عبارة «سبع شداد». بالطبع، لم يكن يخفى على كبير المفتشين هيت خطورة الاختلافات الأخلاقية. ولكنها لم تكن تخفى أيضا على اللصوص الذين كان يلاحقهم فيما مضى. فقد خضعوا لعقوبات صارمة جراء أخلاقيات كان كبير المفتشين هيت يألفها بقدر من التنازل.
كان كبير المفتشين هيت يعتبر هؤلاء مواطنين سلكوا مسلكا خاطئا بسبب تعليم معيب؛ ولكن مع مراعاة هذا الاختلاف، أمكنه فهم عقلية السارق؛ لأن عقلية السارق وغرائزه، في حقيقة الأمر، مماثلة لعقلية رجل الشرطة وغرائزه. كلاهما يعرف الأعراف نفسها، ولديهما معرفة عملية بأساليب الآخر وطريقة العمل التي دأب عليها. إنهما يفهمان بعضهما بعضا، وتلك ميزة لكل منهما، وتنشئ نوعا من الارتياح في العلاقات بينهما. إنهما ينطلقان من منبع واحد، ولكن أحدهما يصنف على أنه مفيد والآخر يصنف على أنه ضار، ويأخذان المنبع الذي ينبعان منه باعتباره أمرا مسلما به بطريقتين مختلفتين، ولكن بالجدية نفسها بالأساس. تعذر على عقل كبير المفتشين هيت أن يستوعب الأفكار الثورية. ولكن اللصوص لم يكونوا ثوارا. ضمنت له قوته الجسدية، وطريقته الباردة الحازمة، وشجاعته، وإنصافه، احتراما كبيرا وقدرا من التملق في المجال الذي حقق فيه بعض النجاحات في البداية. شعر بأنه يحظى بالتقدير والإعجاب. وبينما كان كبير المفتشين هيت واقفا على بعد ست خطوات من اللاسلطوي الملقب بالبروفيسور، راوده إحساس بالأسف على عالم اللصوص؛ عالم متعقل، بلا مثل سقيمة، يعمل وفق روتين محدد، ويحترم السلطات القائمة، ولا يحمل في قلبه كراهية أو يأسا من أي شكل.
بعد هذه الإشادة بما هو طبيعي في دستور المجتمع (لأن فكرة السرقة بدت لغريزته طبيعية مثل فكرة التملك)، شعر كبير المفتشين هيت بغضب شديد من نفسه لأنه توقف وتحدث وسلك هذا الطريق على أساس أنه طريق مختصر من محطة القطار إلى المقر الرئيسي للشرطة. وتحدث مرة أخرى بصوته الآمر الجهير، الذي، عندما أخفضه، اتسم بنبرة تهديد.
Bog aan la aqoon