[مراتب العرفان]
قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله ؟
قال العالم: تطيع الله الذي أسلمت له.
قال الوافد: وما هي الطاعة بينها لي - يرحمك الله تعالى - حتى أعرفها وأعمل بها ؟
قال العالم: الطاعة اتباعك لما أمرك الله به، واجتنابك لما نهاك الله عنه، وذلك على وجهين: شيء قد علمته، وشيء لم تعلمه.
قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله ؟
قال العالم: اجتناب ما نهاك الله عنه، وهو على وجهين: شيء قد عرفته، وشيء لم تعرفه، فتعرف مالك وما عليك، فيما نهاك الله عنه، فعليك بما قد علمت به، التوبة والرجوع والإنابة والتضرع، ولك في ذلك المغفرة. فإنك إذا خفت ربك تبت إليه، وتعرف الخوف ما هو وكيف هو.
قال الوافد: ما هو يرحمك الله ؟
قال العالم: أما ما هو فمعرفة الذنب، وشهادة الرب. وأما كيف هو: فوجل القلب ، ودمع العين. فإن لم تكن كذلك فلست بخائف فيما قد علمت. وأما الذي لم تعلمه فعليك منه الرهبة والتقوى، فإذا اتقيت الله لم يجدك حيث نهاك، وإذا خفته لم يفقدك حيث أمرك، فإن الله يراك، ويعلم سرك ونجواك، ويسمع كلامك، فهنالك ترهبه وتخافه حتى كأنك تراه.
قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله ؟
قال العالم: وراء ذلك التقوى.
قال الوافد: وما التقوى ؟
قال العالم: تحفظ لسانك وعينك ويدك ورجلك وفرجك وظنون قلبك، فلا تنظر بعينك إلى مالا يحل لك، فإن النظرة الواحدة تزرع في القلب الشهوة، وهي سهم من سهام إبليس، وتحفظ لسانك عن الكلام فيما لا يعنيك، فإن اللسان سبع إذا أطلقته أكلك، وهلاكك في طرف لسانك، فلا تقل مالا يحل لك، ولا تمدد يدك إلى ما لا يحل لك، فإن لم تفعل فما اتقيت الله تعالى، وإن فعلت فقد اتقيت، ولك في ذلك المغفرة والرحمة وذلك قوله سبحانه: { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } [طه: 82].
قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله ؟
Bogga 270