وتذكر أن أدمند أجاب على ذلك وهو جريح في نزع الموت بقوله: «لقد أصبت القول، هذا حق، ولقد دارت العجلة دورة كاملة، وها أنا ذا هنا.» فماذا حدث في هذا اليوم؟ أليس يبدو أن هناك إلها يدبر الأمور، ويجزي بالعقوبة والثواب؟
فكرر المراقب نفس السؤال وقال: «أليس يبدو ذلك؟ إنك تستطيع أن تنغمس فيما شئت من رذائل ممتعة مع الخناث، دون أن تفقأ عينيك ربة ابنك. لقد دارت العجلة دورة كاملة، وها أنا ذا هنا. ولكن أين يكون أدمند في هذه الأيام، جالسا في مقعد هوائي مطوقا بذراعه خصر فتاة، يلوك لبان الهرمونات الجنسية ويشاهد الصور المحسة، لا شك أن الآلهة عادلة، غير أن الأفراد الذين ينظمون الجماعة هم الذين يملون القوانين في نهاية الأمر، إن العناية الإلهية تأخذ سرها من الناس.»
فسأله الهمجي: «وهل أنت واثق أن عقوبة أدمند وهو في ذلك الكرسي الوثير، ليست أقل صرامة عنها وهو جريح يدمى حتى الممات؟ إن الآلهة عادلة، أفلا تستخدم رذائله الممتعة أداة للحط من شأنه؟» - «تحطه من أية مكانة؟ ما دام مواطنا سعيدا، مجدا، مستهلكا للسلع فهو إنسان كامل، غير أنك بالطبع إن اخترت معيارا آخر غير الذي نقيس به فقد تحكم عليه بالانحطاط، ولكن ينبغي لك أن تلزم مجموعة واحدة من الفروض، إنك لا تستطيع أن تلعب الجولف الكهربي الممغطس على قواعد التنس الطارد.»
قال الهمجي: «ولكن القيمة لا تنحصر في إرادة معينة، إنها تحفظ للظافر قدره وكرامته، إذا كانت ثمينة في حد ذاتها أو ثمينة من الظافر نفسه.»
فاحتج عليه مصطفى مند قائلا: «مهلا، مهلا، لقد بعدنا عن الموضوع كثيرا، أليس كذلك؟» - «إذا سمحتم لأنفسكم بالتفكير في الله، لم تسمحوا لأنفسكم بالانحطاط بسبب الرذائل الممتعة، إنكم سوف تجدون سببا لتحمل الأرزاء صابرين، وللإقدام على العمل بشجاعة، وقد لاحظت ذلك عند الهنود.»
فقال مصطفى مند: «أنا واثق من أنك لاحظت ذلك، ولكنا لسنا بالهنود، وليست بالرجل المتحضر حاجة إلى أن يتحمل أمرا يضايقه مضايقة شديدة، أما عن أداء العمل فإنا نرجو فورد ألا تتطرق هذه الفكرة إلى رأسه (رأس الرجل المتحضر)، فلو أن الناس يعملون ما تهوى أنفسهم لاضطرب النظام الاجتماعي بأسره.» - «وماذا ترى في إنكار الذات؟» - «لو كان لديكم إله لوجدتم سببا لإنكار الذات.» - «لكن المدنية الصناعية لا تقوم إلا إذا انعدم إنكار الذات، لا بد من الانغماس في شهوات النفس إلى أقصى حد تفرضه قواعد الصحة والاقتصاد، وإلا توقفت العجلات عن الدوران.»
فقال الهمجي: «وسوف تجدون سببا للعفة!» وقد شعر بشيء من الخجل، وهو ينطق بهذه الكلمات. - «لكن العفة معناها حدة العاطفة، ومعناها النورستانيا، والعاطفة والنورستانيا معناهما عدم الاستقرار، وعدم الاستقرار معناه القضاء على الحضارة، لا بد للحضارة الدائمة من كثير من الرذائل الممتعة.» - «لكن الله هو السبب في كل ما هو نبيل وجميل وباسل، لو كان لديكم إله ...»
فقال مصطفى مند: «صديقي الشاب العزيز، إن الحضارة ليست قط بحاجة إلى النبل أو البساطة، إنما هذه الأشياء من أعراض العجز السياسي، أما في الجماعة المنظمة تنظيما صحيحا - كجماعتنا - فإن الفرصة لا تتاح للمرء لكي يكون نبيلا أو باسلا، لا بد أن تضطرب الظروف كل الاضطراب، إذا كان لا بد من توفر المناسبات لذلك، إن من الجلي أن النبل والبسالة لهما مغزاهما في مجتمع يضطرم بالحروب، وينقسم إلى ولايات، به أسباب للإغراء لا بد من مقاومتها، وأشياء عزيزة يحارب المرء من أجلها ويدفع عنها، ولكن ليست هناك في الوقت الحاضر حروب، ونحن نحرص أشد الحرص ألا يغالي المرء في حب شخص ما، ولا ينقسم العالم إلى ولايات، وكل امرئ يكيف على عدم القدرة على التخلص عما ينبغي له أن يفعل، وما ينبغي لك عمله سار جدا، وكثير من الدوافع الطبيعية تجد لها متنفسا ومخرجا، فلم تبق هناك حقا أسباب للإغراء على المرء أن يقاومها، وإذا حدث - بالصدفة العمياء - أمر لا يسر، فهناك السوما، دائما تعطيك إجازة من الحقائق، وهناك السوما دائما تهدئك من ثائرة الغضب، وتوفق بينك وبين أعدائك، وتجعلك صبورا شديد التحمل، كان الإنسان في الماضي لا يستطيع أن يحقق هذه الأشياء إلا بالجهد الشاق، وبعد سنوات من التدريب الخلقي العسير، أما الآن فما عليك إلا أن تبلع قرصين أو ثلاثة، زنة الواحد منها نصف جرام فينتهي كل شيء، يستطيع كل امرئ اليوم أن يكون فاضلا، ويستطيع أن يحمل على الأقل نصف أخلاقه الطيبة في زجاجة. المسيحية بغير دموع: تلك هي السوما.» - «ولكن الدموع ضرورة لازمة، ألست تذكر قول عطيل: «إذا كانت كل عاصفة يعقبها هذا الهدوء، فمرحبا بالرياح تهب حتى توقظ الموتى.» وقد اعتاد أحد شيوخ الهنود أن يقص علينا قصة عن فتاة متساكي، قال: «إن الشبان الذين أرادوا الزواج منها، كان عليهم أن يضربوا في الحديقة بالفأس صباحا كاملا، وقد تحسب ذلك يسيرا، ولكن أذكر أنه كان هناك ذباب وبعوض وسحرة، وأكثر الشبان لم يستطع أن يتحمل العض واللدغ، ومن استطاع فله الفتاة.».»
فقال المراقب: «هذا شيء فاتن، لكنك في البلدان المتحضرة، تستطيع أن تحصل على البنات، دون أن تضرب لهن الحدائق بالفئوس، وليس هناك ذباب أو بعوض يلدغك، فقد تخلصنا منها جميعا منذ قرون.»
فأومأ الهمجي برأسه مقطبا الجبين، وقال: «نعم لقد تخلصتم منها، وهذا شأنكم في كل شيء، تتخلصون من كل ما لا يسر بدلا من أن تتعلموا احتماله، وسواء كان خيرا للمرء أن يتحمل الحظ العاثر بنشابه وسهامه، أو أن يتسلح ضد عواصف المشقات فيقضي عليها بمعارضتها ... ولكنكم لا تفعلون هذا ولا ذاك، لا تعانون ولا تعارضون ، إنكم تكتفون بإلغاء النشاب والسهام، وما أيسر ذلك.»
Bog aan la aqoon