Caalamka Saddexda iyo Xayndaabyada
عالم السدود والقيود
Noocyada
قلت: نعم.
فمد إلي ورقة من دفتر في يده على هيئة ذكرتني الكونت نيمور وهو يلقي القفاز في محضر لويس الحادي عشر.
قلت: «تفضل أولا فاجلس.»
فتردد في الدخول، ثم دخل وجلس، فتناولت الورقة وقرأت فيها دعوة من صاحب السعادة النائب العمومي للحضور إلى مكتبه في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي، ووقعت على الدفتر - كما طلب الضابط - بأنني تسلمت الورقة، وأخذت في إعداد الكتب التي سأقرؤها في السجن، والأدوية التي أتعاطاها، والملابس البيتية التي أحتاج إليها هناك، وزدت فأعددت الأغطية الصوفية التي تلزمني للفراش والغطاء؛ لأنني كنت حتى تلك الساعة أجهل «تقاليد السجون»، وأظن أن الأغطية الخاصة مسموح بها كالملابس الخاصة أثناء التحقيق وفي الفترة التي تسبق المحاكمة. ثم حضر الطاهي فأريته هذه الأشياء كلها وقلت له: إنه سيحضرها لي في السجن غدا عند اللزوم.
فظهر لي أنه لم يفهم، وأنه ينوي أن يقصد بها سجن الأجانب الذي كان أخي معتقلا فيه.
فقلت له: «بل هي لي أنا في السجن الذي سيخبرونك عنه غدا بدار النيابة!» ووصفت له الدار واجتهدت أن أفهمه جهد المستطاع، وذلك جهد يعرف العارفون بالشيخ «أحمد» أنه ليس باليسير!
وذهبت في الموعد المحدود إلى دار النيابة، واستغرق التحقيق ساعات، ثم قال لي حضرة المحقق: «إنني آسف لأننا سنضطر إلى إبقائك عندنا قليلا يا أستاذ!» وبدأ حضرات المحامين يوجهون نظر رجال النيابة الحاضرين إلى «الحيطة الصحية» الواجبة في هذه الحالة، ومنها اختيار السجن الذي يوافقني أثناء الحبس «الاحتياطي» أكثر من سواه.
وكان الأساتذة المحامون لحسن الحظ من الخبيرين بمزايا سجون القاهرة التي تردد عليها في سنوات الثورة السياسية معظم المشتغلين بالقانون والسياسة، فأضافوا خبرتهم بالسجن إلى خبرتهم بالمحكمة وقدرتهم على النصح السديد للمتهمين والموكلين، واستحسنوا أن يكون الحبس في «سجن مصر»؛ لأن الجو فيه أوفق لي من سجن الاستئناف، وقد كان.
فذهبت مع الضابط والجند في سيارة خاصة إلى «قره ميدان» وتخطيت الباب فإذا هدوء غير مألوف؛ لأن الوقت كان وقت الراحة عقب الغداء، وتوجه بي الضابط نحو حجرة الكتاب لتسليم ما عندي من الودائع وكتابة الأوراق التي لا بد منها لكل مسجون جديد، وما هي إلا لحظة حتى توافد الموظفون وكثر دخول السجانين ينظرون إلى القادم الذي سرى بينهم نبأ قدومه، وأخذ كاتب هناك مرح ثرثارة يداعبهم واحدا بعد واحد كلما مروا به وتصنعوا سؤاله عما يضمره لهم بريد اليوم. فيقول لأحدهم: «اطمئن ... فقد عينوك مديرا لمصلحة السجون ...» ثم يحدج ببصره كمن يستغرب سكوته، ويقول له: «ألا تصدق؟ آه يا ابن الحلال. معذور، فإنك في السجن ولست في البيمارستان ...»
أو يقول لغيره: «تعال هنا ... قرب أذنك! قرب أيضا» ... ثم يناديه بصوت يسمعه كل من في المكان: «افرح ... نقلوك إلى أسوان، لا تقل لأحد يا ولد!»
Bog aan la aqoon