Aduunka Iskandar Akbar
عالم الإسكندر الأكبر
Noocyada
مات أرتحششتا الأول ميتة طبيعية، وهو شيء لن يناله إلا قليل من خلفائه. والواقع أن ابنه الشرعي وخليفته أحشويرش قتل بعد توليه العرش بخمسة وأربعين يوما على يد أحد أبناء أرتحششتا غير الشرعيين، وهو سغديانوس. حشد ابن آخر من أبناء أرتحششتا غير الشرعيين، وهو أوخوس، جيشا في مرزبته القزوينية وانضم إليه مرزبان مصر في تنافسه على العرش؛ غير أن ثمة مشكلة خطيرة وقعت وتمثلت في ارتكاب قائد فرسان آل البيت في عهد سغديانوس خطأ تنفير جنود القصر. ترك سغديانوس حيا نحو ستة أشهر بعد استسلامه ثم قتل. صار أوخوس ملكا، فاعتلى العرش متخذا لقب داريوس الثاني، ولم يكن عهده الذي استمر حتى 404 عهد سلام، فبعد مواجهته ثورة أخيه الشقيق آرسيتس، تصدى للمتمردين في ميديا والأناضول ولانتفاضة قوم يسمون القزوينيين يعيشون جنوب بحر قزوين. ما كان إشكاليا بالقدر نفسه ضلوع فارس في الشئون الإغريقية؛ إذ كان انتهاجها سياسة متذبذبة قوامها تأييد إسبرطة وحلفائها، ثم تأييد أثينا، أمرا فادحا في التكلفة المالية وفي التحريض على سياسات مختلفة بين المرازبة المعنيين أشد العناية باليونان، وتحديدا مرازبة الأناضول.
لدى موت داريوس الثاني ، ميتة طبيعية على ما يبدو، خلفه سنة 405 أو 404 ابنه الأكبر أرسيس، الذي اعتلى العرش وتلقب بأرتحششتا الثاني. اضطر الملك الجديد، في مرحلة مبكرة من حكمه، إلى التعامل مع أخيه قورش، الذي كان يحاول خلعه من على العرش. كان قورش قد حشد قوة كبيرة بممارسته الدور العسكري الذي أسنده إليه أبوه في الأناضول، وقد وجهها آنذاك ضد أخيه. ومثلما ينبئنا أحد المشاركين، وهو زينوفون الأثيني، الذي يصف الحملة في أنباسته الشهيرة، كان حوالي 13 ألف رجل من ذلك الجيش من المرتزقة الإغريق الذين ساروا بداية من سنة 401 غربا عبر الإمبراطورية لملاقاة جيش أرتحششتا في كوناكسا شمال بابل، فحسمت النتيجة بمقتل قورش، مما سمح لأرتحششتا بالحكم حتى سنة 359. شابت تلك العقود ثورات وتمردات، فثارت مصر، التي نالت قبل ذلك استقلالها لمدة ستين سنة حتى أعيدت إلى السيطرة الفارسية الجزئية على الأقل بين سنتي 404 و400. مضت حوالي خمس عشرة سنة قبل أن يحشد جيش لاستعادة السيطرة عليها، لكنه أخفق. كان الملك الأخميني مشغولا في موضع آخر؛ إذ وقعت قلاقل في بقاع كثيرة من آسيا الصغرى نتيجة السخط الداخلي ونشاط إسبرطة العسكري في المنطقة على السواء. وكان ملك قبرص الإغريقي إيفاجوراس أيضا منهمكا في توسيع نشاطه، فاستولى على صور الفينيقية مما قوى شوكة الثورة في جنوب الأناضول. يمكن رؤية ما يعرف باسم «سلام الملك» لسنة 386 في ضوء السيطرة على التدخل الإغريقي في أراضي الدولة الفارسية، وذلك بإعلان تبعية المدن الآسيوية ومعها جزيرتا كلازوميناي وقبرص للشاه، وضرورة إنهاء كل التحالفات الكبيرة التي تجمع الدول الإغريقية. لم ينجح هذا السلام؛ إذ شهدت ستينيات ذلك القرن ثورة كثير من المرازبة الغربيين ضد الملك، وهو وضع استمر حتى الخمسينيات.
كانت علاقاته حتى مع أسرته مشوبة بالصراع؛ إذ أعدم ابنه الأكبر وولي عهده بعد تآمره ضده ، وانتحر ابن شرعي آخر، وقتل ابن غير شرعي أثير لديه؛ فخلفه على العرش ابنه الشرعي الذي بقي على قيد الحياة، وهو أخوس، متخذا لقب أرتحششتا الثالث. توحي شهادة من كاتب ينتمي إلى القرن الأول قبل الميلاد بأنه كان قلقا بشأن قدرته على النجاة من التهديدات النابعة من أفراد الأسرة، وللحيلولة دون بعض المحاولات على الأقل، دفن المرأة التي كانت زوجة أبيه وأخته في آن واحد حية، وحبس عمه وأكثر من مائة من أبنائه وأحفاده هو شخصيا في فناء قتلوا فيه بزخات من الأسهم.
وهكذا عاش ليحكم لمدة 21 سنة، أكبر نجاح حققه فيها هو استعادة مصر سنة 342. ولمعالجة الوضع في الأناضول أمر المرازبة الغربيين بحل الجيوش الخاصة التي شكلوها من قبل. ويتضح لنا تمكنه من إعادة توطيد بعض السيطرة المركزية من قرار أرتبازوس، مرزبان فريجيا، التماس اللجوء لنفسه وأسرته بعيدا عن طائلة يد أرتحششتا، وتحديدا في بلاط فيليب الثاني في بيلا. وأخمدت الثورة في قبرص بصعوبة بالغة، بل تمكن أيضا قواده من إنهاء ثورة القزوينيين التي ظلت مستعرة منذ عهد داريوس الثاني.
كانت نهاية أرتحششتا الثالث شبيهة بنهاية معظم أسلافه وكذلك بنهاية خليفته أرتحششتا الرابع؛ إذ قتل سنة 338 على أيدي أبنائه بمساعدة أحد أعظم مسئوليه نفوذا، وهو الخصي باغواس. وبعد أن حكم أرتحششتا الرابع سنتين، تعرض وأبناؤه للتطهير، ومن جديد بتدبير من باغواس. لم يبق على قيد الحياة إلا قليل من الخلفاء، وكان أجدر المرشحين بالعرش واحدا من قواد الحملة ضد القزوينيين ومن أبناء عمومة الملك، كان قد عين مرزبانا في أرمينيا، فصار بمنأى عن الأذى أثناء عملية التطهير، وعندما دعي إلى ولاية الملك أجبر باغواس أولا على احتساء شراب من قدح مسموم كان مهيأ ليحتسيه هو شخصيا.
وهكذا صار كودومانوس آخر ملوك الأخمينيين سنة 336 متخذا لقب داريوس الثالث. كان فيليب المقدوني بحلول ذلك العام قد شكل الحلف الكورنثي، وأعلن باسمه الحرب ضد الدولة الفارسية. والحقيقة أنه بدأ يقيم قواعد أمامية قبل اغتياله سنة 336، تاركا ملك مقدونيا للإسكندر الثالث؛ ومن ثم لن يكون أمام داريوس وقت طويل لترتيب أوضاع إمبراطوريته قبل التعامل مع المقدونيين على التراب الفارسي. (3) مقارنة الإمبراطورية الفارسية بالمملكة المقدونية
تأتي معظم معلوماتنا عن الإمبراطورية الفارسية من مصادر إغريقية، وتصبغ طبيعة العلاقات بين الفرس والإغريق عموما هذه المصادر بصبغة غير إطرائية بالمرة. يقينا توجد استثناءات؛ إذ يحتوي كتاب زينوفون المعنون ب «كيروبيديا» (بمعنى «تعليم قورش») على تعليقات إيجابية على كثير من ملامح الحياة الفارسية. لكن حتى زينوفون يتحدث عن خيانة الفرس (هيلينيكا، الكتاب الرابع، 1، 32-33)، وهي خصلة رآها رأي العين كواحد من المرتزقة الإغريق الذين استأجرهم قورش الأصغر في محاولته إطاحة الملك، الذي اتفق أن كان أخاه كما رأينا. ووصف أفلاطون سوء إدارة الإمبراطورية الفارسية بفضل إسراف الفرس في الاسترقاق والطغيان (القوانين، الكتاب الثالث، 694 إف إف)، وذم إيسقراط «رخاوة» الفرس (الخطبة المدحية، 138-149). لا تقتصر وجهات نظر الأعداء هذه على حالة الإغريق والفرس، ورأينا أن صورة فيليب الثاني الاعتيادية في المصادر الإغريقية أقل ما يقال عنها أنها غير إيجابية.
في محاولة لتجاوز مثل هذه الأحكام إلى معلومات قد تلقي الضوء على الإسكندر ومسيرته، يتركز اهتمامنا على طبيعة الإمبراطورية الفارسية بحلول منتصف القرن الرابع، حين كان فيليب يعكف على تقوية مملكته المقدونية، وبعد ذلك بقليل حين زحف فيليب ثم الإسكندر ضد الإمبراطورية. فما مدى اختلاف الدولتين؟ وإلى أي مدى كانت معرفة كل منهما بدولة الآخر وتنظيمها تامة؟ إن وجود اختلافات ضخمة بين الدولتين قد يقودنا إلى إدراك مرونة فيليب وقدرته على التكيف بل فوق ذلك أيضا مرونة الإسكندر وقدرته على التكيف، وهو الذي أزاح بحكمه حكم السلالة الأخمينية. ومن ناحية أخرى، فإن وجود عدد كبير من أوجه التماثل قد يوحي بوجود وئام كامن يستطيع أي فاتح طامح استغلاله.
نبدأ بطبيعة الدولتين المادية وحجمهما من حيث الرقعة الجغرافية والسكان. والسؤالان الوجيهان في هذا الصدد هما: كيف أنشئت كل دولة؟ وكيف حكمت بمجرد أن أنشئت؟ ويتمخض ضم أصناف مختلفة من الشعوب إلى الدولتين عن سؤال ثالث: هل أبقي على التقاليد المحلية لدى الشعوب التي كانت ذات يوم مستقلة أم لا، ولو أبقي عليها، فما تبعات ذلك سياسيا وثقافيا واقتصاديا؟ ولأن المملكة المقدونية والإمبراطورية الفارسية لم تكونا كيانين جامدين طوال تاريخيهما، فمن الضروري أن نتساءل عما إذا كانت تطوراتهما على مر الزمن قد أثارت صعوبات داخلية.
كانت الإمبراطورية الفارسية أكبر دولة موحدة عرفها الشرق الأدنى خلال الألفين والخمسمائة سنة التي شهدت نمو دول بأحجام متزايدة. وكأبعاد تقريبية نقول إن رقعة الإمبراطورية امتدت نحو 2500 ميل (4 آلاف كيلومتر) من غرب الأناضول إلى جبال هندوكوش، وأكثر من 1000 ميل (1600 كيلومتر) من ساحل البحر الأسود الجنوبي إلى ساحل الخليج الفارسي الشمالي في المنطقة التي توجد بها العاصمة الفارسية تخت جمشيد وباسارجاد. ومع صعوبة حساب التقديرات السكانية نقول إن سكان الإمبراطورية الفارسية كانوا يعدون بالملايين؛ فمصر وحدها في الفترة التي تلت موت الإسكندر كان يسكنها ما بين سبعة ملايين وثمانية ملايين نسمة. ونما سكان مدن فردية كبابل حتى وصل عددهم إلى 50 ألف نسمة أو أكثر. كانت هذه الشعوب متنوعة تنوعا فوق العادة من حيث الإثنية وطريقة الحياة؛ ففي قلب الدولة كان يوجد الفرس الهنود-الأوروبيون أنفسهم الذين لم تكن جماعاتهم القبلية وحدت إلا مؤخرا. سمح هذا التوحيد ببسط السيطرة على الشعوب العريقة في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام والأناضول ومصر في الغرب، والشعوب القبلية في شبه الجزيرة العربية في الجنوب، وسكان الجبال في آسيا الوسطى، فضلا عن سكان غربي الهند على الأقل من خلال التحالف. كان التنظيم السياسي للمناطق المفتوحة يتراوح بين سيطرة شخصية على يد شيخ للقبيلة وهياكل إدارية مستحكمة بعمق. وعلى قدر مماثل من التنوع كانت الهياكل الاقتصادية لدى العناصر الفردية المكونة للإمبراطورية؛ إذ تعايش البدو الرحل مع اقتصادات شديدة التخصص مدارة بإحكام. وكانت كثرة اللغات والمعتقدات والثقافات المادية تجليات ملموسة للاختلافات القائمة بين سكان الإمبراطورية.
Bog aan la aqoon