Aduunka Iskandar Akbar
عالم الإسكندر الأكبر
Noocyada
بحلول أواخر القرن الخامس وبداية القرن الرابع قبل الميلاد، كان ابن الملك يدرب أيضا على مهارات الحكم بالتعليم ذي الطابع الرسمي، وسنناقش أهمية التعليم الإغريقي للمقدونيين مناقشة أتم في الفصل الرابع. أما الآن فنقول إن تمتع الملوك الأرغيين، وخصوصا في القرنين الخامس والرابع، بمهارات القراءة والكتابة أمر لا شك فيه؛ إذ إن المعاهدات المبرمة بين الحكام الأرغيين والدول أو الشعوب أو الأحلاف الأخرى كانت مسجلة، ومن ذلك مثلا المعاهدة بين بيرديكاس الثاني والأثينيين سنة 422 قبل الميلاد (النقوش الإغريقية، المجلد الأول، الإصدار الثاني، 71ب). وكتب فيليب الثاني خطابات إلى الأثينيين وتلقى خطابات جوابية من أعيان الأثينيين. ومارس الإسكندر مجموعة متنوعة من المراسلات أثناء سيره شرقا.
كان الوريث المحتمل للعرش، الذي ينشأ في بيلا، يحصل على تصور لموارد المملكة ويدرك إدراكا متزايدا أهمية السيطرة عليها. كانت بيلا تحتوي على أنواع كثيرة من الموارد بالإضافة إلى الدواوين الإدارية الكائنة هناك. وأحد الموارد الحيوية بوجه خاص شباب العائلات النبيلة من عموم المملكة، الذين كانوا ينشئون في بيلا ويدربون كحاشية للملك وليخدموا فيما بعد كأصحاب له وضباط ومستشارين. كان آباء هؤلاء الصبيان يفدون بين الحين والآخر لحضور المجالس أو الندوات مع أبيه، وكان أبناء الملك يشهدون وفود الرسل من الدول البعيدة ورحيلهم بمعدل متزايد. سيكون وجود أشخاص في أجزاء أخرى من القصر يحتفظون بسجلات أو يخططون أدوات حربية جديدة أمرا معروفا. كان الوريث المرتقب يسافر من بيلا إلى موقع آيجي القديم مع أهله، وخصوصا لحضور المناسبات الطقسية، كدفن جدة في أحد التلال الترابية، أو تطهير الجيش، أو المباريات الرياضية، أو قربان كبير يقدم إلى أحد الآلهة، أو احتفال كبير. خلاصة القول أنه سيبدأ في إدراك مكانته المميزة، وهي مكانة تناسب سليل هرقل وآخيل.
لكن كانت هناك عقبات تقف في طريق الوصول إلى تلك المكانة؛ إذ كانت ممارسة تعدد الزوجات تتمخض غالبا عن أكثر من وريث محتمل للحكم؛ ففيليب كان واحدا من ستة أبناء أنجبهم أمينتاس الثالث، وكان للإسكندر الثالث منافسون من بينهم ابن آخر لفيليب من زوجته فيلينا، وأمينتاس ابن عمه. وستكون المكائد التي تدبرها زوجات فيليب لتقديم أبنائهن خطرا مصيريا في مساكن الأرغيين في بيلا. وكانت هناك تهديدات أخرى تنبع من أبناء فروع العشيرة الأرغية الأخرى الذين كانوا يزدادون عددا، وذكرنا أن أبناء ثلاثة أفرع من العشيرة الأرغية تناوبوا على الملك في أقل من عقد واحد من الزمن لدى موت أرخيلاوس؛ ففي البداية، اعترف بابن أرخيلاوس الصغير أوريستيس ملكا على البلاد، بينما تولى أيروبوس - ربما كان عمه - منصب الوصي على العرش، لكنه لم يقنع بالوصاية على العرش، فتخلص من ابن أخيه ليصير ملكا، ودام حكمه أقل من أربع سنوات؛ ثم ولي الحكم أمينتاس الثاني من نسل الإسكندر الأول لفترة ما حتى قتل على يد أحد الإيليميين؛ فخلفه على العرش بوسانياس بن أيروبوس لبضعة أشهر إلى أن أزيح بتهمة الخيانة. ومن وتيرة الأحداث وكثرة الأسماء الملكية يتضح لنا تماما عدم استقرار الحكم.
كان نظام الحاشية الذي ينتج حراسا خصوصيين للملك وصحابة لأبنائه ، على مزاياه، ينطوي أيضا على تداعيات كارثية؛ إذ لو قررت الأسرة المالكة لإحدى الممالك التي ضمت إلى مقدونيا العليا تأكيد استقلالها عن بيلا، فمن الجائز تماما أن يتآمر سليلها، الذي صار آنذاك يعيش في المدينة الملكية، ليقضي على أفراد السلالة الأرغية. كان درداس الإيليمي، قاتل الملك أمينتاس الثاني الذي سبقت الإشارة إليه، ينتمي على الراجح إلى هذه الفئة من الأسر النبيلة التي تنتمي إلى ممالك كانت ذات يوم مستقلة؛ ومن ثم ستكون الريبة في الآخرين وعداوتهم - وخصوصا الصحابة الذين هم على اطلاع على حياة المرء الخاصة - خطرا آخر معروفا جيدا لأفراد الأسرة المالكة.
في ظل كل هذه التهديدات الحقيقية، سيكون لزاما على الابن الناجح للملك المتربع على العرش أن يطور وعيا ثاقبا بحاجته إلى حماية نفسه من الأخطار المتصورة. كانت تلك الأخطار حقيقية ومستمرة، ومن دأبها أن تحل دون سابق إنذار كبير. كان من شبه المستحيل أن يصبح المرء ملك مقدون دون انتماء إلى السلالة الأرغية؛ لكن كما رأينا، فإن كون المرء سعيد الحظ بأن يكون أكبر أبناء الملك الحاكم لم يكن كافيا لضمان وراثته الملك؛ ففي البداية كان يتعين على هذا الابن أن يبرهن على امتلاكه السمات المطلوبة لقيادة شعبه، وثانيا أن يستبين أي تحديات تواجه مطالبته بالحكم ويتصدى لها. (1-3) فيليب الثاني
على الرغم من أن انتساب المرء إلى السلالة الأرغية كان شرطا شبه حتمي، كان عامل الأبوة والأمومة أيضا حاسم الأهمية في الخلافة؛ فمنذ أن ولي أبناء هذه العشيرة الحكم، تكاثرت عشيرتهم وانتشرت؛ ومن ثم أتى الملوك من مختلف فروع هذه الأسرة الواحدة. وفوق ذلك كان لإنجازات الملك الحاكم - أو افتقاره إلى الإنجازات - دور حاسم في نجاح خليفته أو إخفاقه. وكثيرا ما نجح أرغيون من فروع أخرى غير الفرع الذي ينتمي إليه الملك في تولي الحكم أثناء فترات التحديات الخطيرة التي واجهت سلامة أراضي المملكة، على نحو ما يتبين لنا من حالة أمينتاس الثالث. ومن ناحية أخرى، فالنجاح العظيم الذي قد يحققه الأب ربما يتمخض عن طفرة تأييد لابنه؛ لكن في هذه الأحوال، كان يمكن أن يشكل النجاح الذي حققه أب نشيط صعوبات حقيقية أمام ابنه وخليفته من حيث البناء على هذه النجاحات والتوسع فيها. كان للإسكندر الثالث أب غير عادي؛ فكان المؤرخ ثيوبومبوس، الذي عاش في القرن الرابع وألف تاريخا لفيليب في 58 كتابا (لم تصلنا منها إلا شذرات)، يؤمن بأن «أوروبا لم تعرف قط رجلا مثل فيليب بن أمينتاس».
ولد فيليب الثاني سنة 382، وكان ثالث أبناء أمينتاس الثالث ويوريديكا وأصغرهم. وينتهي نسب أمينتاس إلى الإسكندر الأول، الذي ضاعف كما رأينا رقعة المملكة المقدونية وارتقى على الراجح بالدور المنوط بجنود المشاة في غضون ذلك. لكن بعد حكم الإسكندر، انتقل الملك إلى فرع آخر من فروع العائلة الملكية. استفاد أمينتاس نفسه من ازدياد التنافس على العرش الذي رافق اغتيال أرخيلاوس سنة 399، وإذ تمكن ببراعة من النجاة من ست سنوات من التهديدات المستمرة التي واجهت مطالبته بالعرش، والتي كانت تنبع من أرغيين آخرين ومن أعداء خارجيين على حد سواء؛ وطد دعائم حكمه في 393-392.
لم يكن عهده عهد سلام، ففي بداية حكمه، أطيح من السلطة بفعل غزو إليري لمقدونيا أقام على العرش ملكا آخر سهل الانقياد. فاستطاع أمينتاس تأمين عون الدول المجاورة التي كانت في حد ذاتها قلقة من عدوان الإليريين على أراضيها، وأعني مدينة أولينثوس الإغريقية القوية في جنوب شبه جزيرة خالكيذيكي، وربما ساعده التيساليون في استعادة العرش؛ إذ إنه بالإضافة إلى استخدام القوة، وافق على دفع جزية سنوية إلى الإليريين في مقابل انسحابهم. كان أمنه الشخصي وأمن مملكته أيضا في خطر مستمر مصدره الدول الإغريقية الكبرى، والقوى الأخرى المجاورة غير الإغريقية، والتنافس الداخلي بين المناطق المضمومة حديثا إلى المملكة، والتنافس بين الأرغيين أنفسهم.
من الجائز تماما أن يوريديكا أم فيليب كانت تمثل في نسبها نفوذ القوى غير الإغريقية والنزعة الإقليمية التي كنت تفت في تلاحم المملكة المقدونية، بما أن المصادر تصفها بأنها تجري في عروقها دماء إليرية ولنكستية. وربما يمثل زواجها من أمينتاس التحالفات التي كان الملك المقدوني يسعى إلى تقويتها. نسب تاريخ هذا الزواج إلى حوالي سنة 390 على أساس أن الابن الأكبر الذي جاء ثمرة القران ولي الملك سنة 369 كقائد نشط، لا كبيدق غر في أيدي الآخرين. واتخذ أمينتاس بالإضافة إلى يوريديكا زوجة ثانية وهي جايجيا، التي كانت على الراجح أرغية وأنجبت له أيضا ثلاثة أبناء. لم يكن تعدد الزوجات بين الأرغيين بالممارسة الجديدة؛ إذ أنجب بيرديكاس الثاني أولادا من ثلاث نسوة، ومثله أرخيلاوس، ومن الجائز تماما أن أبناء الإسكندر الأول الخمسة كانوا ينتمون إلى أكثر من أم واحدة. وتوحي حقيقة أن ثلاثة فقط منهم شاركوا في الحكم في حياة أبيهم، وأن اثنين فقط منهم كانا مرشحين لخلافته بعد موته، بتساوي النسب من جهة الأم والنسب من جهة الأب في الأهمية.
تحتل يوريديكا مكانة بارزة في المصادر القديمة، وخصوصا التأريخات المتأخرة، وتكشف الشواهد التي تعود إلى عهد زوجها عن مكانتها المرتبطة بالدين؛ إذ يوجد بين أطلال معبد صغير في آيجي نقش يعود إلى أوائل القرن الرابع يقول: «يوريديكا ابنة سيراس من أجل يوكليا.» ويستخدم «يوكليا» لقبا للربات الإغريقيات، كأرتميس، أو ربما يمثل اسم ربة معينة.
Bog aan la aqoon