ثم يلتفت إلى جماعة أخرى قائلا: «وأما أنتم فارجعوا إلى حيث كنتم من هذا الوجه من العرب، وليأخذ كل منكم مكانه في جوف صنمه لا يفارقه حتى يأتيه أمري.»
ثم يلتفت إلى سرب آخر قائلا: «وأما أنتم فبيتوا قريشا من ليلتكم، وليلزم كل واحد منكم رجلا منهم نائما ويقظان، ساكنا ومضطربا في الأرض. وإياي وأن يفلت منكم أحد من قريش! واعلموا أن من أفلت منه صاحبه فلن يجد عندي إلا عذابا تعرفونه، وما تحتاجون إلى أن أذكركم به أو أدلكم عليه.»
وقد أخذت الظلمة ترق، وقد أخذ السحاب يتفرق وينجاب، وقد أخذت أشعة النجوم تبلغ الأرض، وقد أخذ ضوء القمر يترقرق في الجو، وقد خفت الصوت، وسكنت الحركة، واستقر كل شيء. ثم أصبحت قريش فغدت على أعمالها كأنها لم تنفق ليلة نادرة في ليالي الدهر، إلا خديجة بنت خويلد! فقد أقبل عليها زوجها مرتاعا سعيدا، ينبئها بالنبأ العظيم.
قال ابن سعد: «أخبرنا علي بن محمد، عن سعيد بن خالد وغيره، عن صالح بن كيسان: أن خالد بن سعيد قال: رأيت في المنام قبل مبعث النبي
صلى الله عليه وسلم
ظلمة غشيت مكة، حتى ما أرى جبلا ولا سهلا، ثم رأيت نورا خرج من زمزم مثل ضوء المصباح، كلما ارتفع عظم وسطع، حتى ارتفع فأضاء لي أول ما أضاء البيت، ثم عظم الضوء حتى ما بقي من سهل ولا جبل إلا وأنا أراه، ثم سطع في السماء، ثم انحدر حتى أضاء لي نخل يثرب فيها البسر، وسمعت قائلا يقول في الضوء: سبحانه! سبحانه! تمت الكلمة، وهلك ابن مارد بهضبة الحصى بين أذرح والأكمة. سعدت هذه الأمة. جاء نبي الأميين، وبلغ الكتاب أجله. كذبته هذه القرية، تعذب مرتين، تتوب في الثالثة، ثلاث بقيت، ثنتان بالمشرق ، وواحدة بالمغرب. فقصها خالد بن سعيد على أخيه عمرو بن سعيد، فقال: لقد رأيت عجبا. وإني لأرى هذا أمرا يكون في بني عبد المطلب إذ رأيت النور خرج من زمزم.»
لاكلوزا
16 رجب 1355/سبتمبر 1937
الكتاب الثالث
الفصل الأول
Bog aan la aqoon