قال طومان: صدقت! فمن لي بأن يؤمن عمي الغوري بما تقول؟
وكان علي بن أبي الجود قد فرغ من حاجة أصحابه هؤلاء، فأخذ كل منهم حاجته ومضوا لشأنهم، ومضى الشيخ الكبير، والأمير طومان، وأبرك المملوك، كل منهم في وجه، ولكنهم لم يلبثوا أن التقوا عند دار الأمير قنصوه الغوري في ساحة «بين القصرين»، حيث كان الغوري ينتظر أن يعودوا إليه بما عندهم من أحاديث الناس في المدينة.
فلما أظل الليل، كان علي بن أبي الجود نفسه بياع الحلوى والمشبك عند حمام شيخو، جالسا بين يدي الأمير قنصوه الغوري الدوادار الكبير، يقص عليه ما رأى وما سمع من حديث الأمراء والسوقة في ذلك اليوم، الذي لم يكن يجري فيه على لسان أحد من الناس - جراكسة ومصريين - إلا خبر مصرع قصروه ، وطيش السلطان العادل طومان باي وغدره.
وخلا المجلس بعد قليل بطومان وعمه، فقال الفتى: يا عم، إن في نفسي حديثا أرجو أن تأذن لي فيه.
قال الغوري: وما ذاك يا طومان؟
قال طومان: إني أخشى أن يكون علي بن أبي الجود عينا عليك، فقد نبئت أن له سببا إلى السلطان، وليس لمثل هذا السوقي عهد.
قال الغوري باسما: نبئت! فمن أنبأك؟ حسبتك تعرف منذ بعيد أن له أسبابا إلى السلطان. إنني أعرف هذا فلا تخش سوءا يا طومان، إن عمك يعرف أين يضع رجله قبل أن يخطو خطوة إلى أمام، أو إلى وراء.
ضاق صدر طومان بحديث عمه هذا، فقال غاضبا: تعرف هذا؟ فهل عرفت أن كلمة واحدة قالها الشيخ جلال الدين السيوطي اليوم على مسمع من ذلك السوقي، فلم تلبث أن بلغت السلطان، فإن الجند ليبحثون عن الشيخ جلال الدين منذ ساعات؛ ليسوقوه مقيدا إلى مجلس السلطان ينتقم منه.
فزادت ابتسامة الغوري اتساعا وعمقا وهو يقول: عرفت هذا، وأحسبهم لن يظفروا بالشيخ جلال الدين ولو كبسوا كل بيوت المدينة، فقد عرف الشيخ ما يراد به من قبل أن يعرف الجند الذين ينقبون عنه في زاوية كل دار ومسجد.
فبدت الدهشة في وجه طومان وأمسك عاجزا عن الرد، ولم يزل يحيك في صدره الشك والقلق.
Bog aan la aqoon