140

Alee Baab Zuweyla

على باب زويلة

Noocyada

في تلك الأيام الرهيبة، في هذه المدينة التي تموج بالخلائق من كل جنس، ويحتشد فيها الجند للدفاع عن كل باب، وتزدحم فيها أقدام المحاربين على كل طريق، ويتوزع الناس فيها الهم والقلق على المصير المجهول، كان يجلس على عرش مصر طومان باي - ابن نوركلدي وأركماس - قد شغله هم الدولة عن هم نفسه، فلم يخطر على باله قط أن على باب المدينة في ذلك اليوم رجلا وامرأة قد أبليا الدهر سعيا إليه، وقطعا مفازة العمر شوقا إلى لقائه، وليس بينهما اليوم وبين أن يلقياه إلا مسيرة ساعة من شمال المدينة إلى جنوبها ، فلو شاء لاجتمع بثلاثتهم شمل أسرة لم يجتمع لها شمل منذ أربعين عاما أو يزيد ...

ها هو ذا في مجلسه من قصر القلعة بين زوجته خوند شهددار وطفلته الظريفة نوركلدي الصغيرة، مستغرقا في الفكر لا يكاد يعرف من حوله.

وهذان شيخ وشيخة يضربان في طرق القاهرة، قد نال منهما الإعياء واستغرقهما الفكر، يتدافعهما زحام الناس يمنة ويسرة فلا يكاد يخلص لهما الطريق بضع خطا. من ذا يراهما فيخطر في باله أن هذا الشيخ وهذه الشيخة هما أركماس أبو السلطان طومان باي وأمه نوركلدي؟!

ولكن طومان باي اليوم ليس لأمه وأبيه ولا لأحد من أهله، إنه اليوم يحمل من هم الدولة ما لا يدع له فراغا من الزمن أو من العاطفة للتفكير في شأن أمه وأبيه.

يا عجبا! لقد عاش في هذه المدينة واحدا من أهلها عشرين عاما أو يزيد، يلقى الناس ويلقونه، ويتراءى لكل من يريد أن يراه، ويتحدث إلى كل من يريد أن يتحدث إليه، ويستمع إلى كل من يريد أن يحدثه، فلو أرادت أمه، أو لو أراد أبوه في يوم من تلك الأيام الخوالي أن يلقاه أو يتحدث إليه لما أعياه في أي وقت شاء أن يلقاه أو يتحدث إليه، ولكن أباه يومئذ لم يكن يدري أنه أبوه، فلم يكن يريد، ولم تكن أمه تدري أين تلقاه، فلم تكن تطمع، أما اليوم فإنهما يدريان ويريدان، ولكنهما لا يستطيعان.

من لطومان باي بأن يعرف أن أمه التي فارقها منذ ثلاثين عاما ولا يزال يذكرها ويحن إلى لقائها، هي اليوم منه على قرب قريب، فلو شاء لسعى إليها فلقيها فتحدث إليها ساعة أو بعض ساعة ثم عاد لشأنه؟!

من له بأن يعرف أن صاحبه أرقم المسيخ خادم خلوة الشيخ أبي السعود الجارحي والرمال الحاذق الذي يتحدث عن الغيب كأنه يقرأ في لوح مسطور، هو أبوه أركماس؟!

من له بذلك، ومن لنوركلدي؟!

ولكن الوهن لم يتطرق لحظة إلى نفس أمه العجوز الشابة، فإنها اليوم لأدنى أملا في لقائه، إنه اليوم منها على مد الشعاع، فلولا هذه الحيطان التي تفصل بين بيوت الناس لرأته ورآها، ولكنها لا بد أن تراه يوما ما، أو لا، فحسبها أن تسمع عنه كل يوم فكأنها لا تراه، حتى يحين الأجل المكتوب.

واتخذ لها أرقم منزلا في سوق مرجوش، يطل على طريق الموكب السلطاني حين يغدو أو يروح؛ لتراه أمه ويراه أبوه إذا بدا له ذات مرة أن يغدو في موكبه أو يروح. واتخذ أرقم له حجرة في ذلك المنزل إلى جانب الباب، وراح يدبر أمره وأمر صاحبته ...

Bog aan la aqoon