قال بدر الدين شيخ قبة يشبك: أما أنا فلا أحسب سليم ابن عثمان يقصد مصر، إنه لأبعد نظرا من أن يرمي بجنده إلى الهلكة في غير مطمع، إن مصر لأعز جانبا وأعظم قوة!
قال جركسي من القرانصة في المجلس: أفما سمعت بما اجتمع له من الجند، وما هيأ من أدوات القتال؟ أفتحسبه قد أعد ذلك كله من أجل إسماعيل الصفوي؟
قال بدر الدين: نعم، وليس يغيب عنك أن له ثأرا عند الصفوية يطمع أن يناله، ثم إنه - ولا ريب - يعلم علم اليقين قوة بأس السلطان الغوري وشدة مراسه، وأين سليم بن بايزيد من الغوري؟!
تململ أرقم الرمال في مجلسه وقال منكرا: لا تزال يا سيدنا تذكر الغوري بما ليس فيه، فكيف يغيب عنك قوة سليم ابن عثمان وشدة مراسه، وإنه لشاب لم يزل في يديه غده؟!
قال بدر الدين مغضبا: اسمع يا أرقم: أما أن تقحم ما بينك وبين الغوري من عداوة في الأمر، وتنسى حق بلادك عليك فهذا ما لا صبر عليه! قد يكون سليم ابن عثمان على نية الحرب لمصر، وقد يكون استعداده لحرب الصفوي، وقد يكون الغوري على ما تصف من سوء التدبير وضعف النفس وفساد الضمير أو لا يكون، ولكنه - على ما يكون من صفاته - سلطان مصر التي يتربص بها العدو على الحدود، فاليوم تنمحي كل أسباب البغضاء لنذكر حق هذا الوطن ...
اختلج أرقم في مجلسه اختلاجة ظاهرة وهم أن يجيب، ثم أمسك حين ابتدر الحديث واحد من الجماعة يقول: ليس في مصر أحد يزعم أن الغوري - وقد جلس على عرش مصر ستة عشر عاما - قد حكم فعدل، وساس فأحكم السياسة، ورعى هذا الشعب فأحسن رعيته، ولكن الأمر اليوم ليس هو أمر السلطان الغوري، ولكنه أمر مصر التي توشك أن تطأها خيل الروم، وقد أجمعت أمري - على ما بي من الكره لهذا السلطان - أن أتطوع للحرب جنديا في المقدمة أو في المؤخرة، يوم تسول للسلطان سليم نفسه أن يغزو مصر أو يكون له في بلادنا أمر ...
قال الجركسي: فقد سولت له نفسه ... فهل نراك غدا يا صديقي فارسا على السرج أو راجلا في الصف؟
قال الرجل: بل إنني كذلك منذ اليوم ومن ورائي بني وإخوتي وأهلي!
قال أرقم الرمال باسما: ومن ورائك أرقم الرمال ... ولا يحسب سيدنا أنني أقل حفاظا على حق الوطن وإن كنت أكره ذلك السلطان!
قال الجركسي: أما أنا فلن أحمل السيف حتى أعرف كم ينفق علي الغوري مما اجتمع في خزائنه، فلست أرضى أن أكون في جيشه جنديا بلا نفقة، وهو ينفق على جلبانه ما ينفق ولا يندبهم لحرب؛ حتى لكأني به يريد أن يستأصل القرانصة لتخلص له ولجلبانه مصر كلها يأكلون الحرام مما اجتمع لهم من مالي ومال الناس بالغصب والعذاب.
Bog aan la aqoon