كما ناداه ذات يوم في حلب حين التقيا لأول مرة منذ سنين بعيدة!
في هذا اليوم الراهن، وفي ذلك اليوم البعيد ... كان هذا العناق الدافئ تعبيرا بليغا عن سعادة طومان باي باجتماع شمله بعد تفرق ... مرة في حلب حين وجد له عما بعد يأس من لقاء الأهل، وهذه المرة في القاهرة حين وجد شهددار بعد يأس من اللقاء!
واجتمع بالقلعة القضاة الأربعة، وأمراء المماليك، وأعيان الناس؛ ليشهدوا عقد الأمير الشاب طومان باي على شهددار بنت أقبردي ...
فلما كان بعد بضعة أشهر، زفت العروس الفاتنة إلى عروسها الشاب، وشهدت القاهرة كلها مهرجانا لم تشهد مثله منذ سنين، وحمل الحمالون جهازها الحافل بين عزف الموسيقى ونقر الدفوف، يتخللون به دروب القاهرة، وشق موكب الأمير الشاب المدينة يحيط به الأمراء والوزراء وأمناء البلاط، في أيديهم الشموع الموكبية، يرقص لهبها على ألحان المزامير وعزف الشبابات، وغناء المغنين والمغنيات، حتى انتهى إلى القصر ... ونعمت القاهرة بليلة سلطانية ساهرة كأنها من ليالي الأحلام.
وكانت مصرباي جالسة وراء الستر في شرفتها تشاهد ذلك المهرجان، وهي تردد بيتا من الشعر حفظته عن خاير بن ملباي، فلم يزل على لسانها منذ فارقها خاير إلى حلب، فإنها لتتمثل صورته في نبرة كل حرف ونغمة كل مقطع وهي تنشد:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن ألا تلاقيا
واكتملت سعادة الأمير طومان باي وعلا نجمه، فهو الدوادار الكبير، وهو الأستادار، وهو كاشف الكشاف وأمير أمراء الشمال والجنوب، وهو مشير السلطنة وصاحب الحول والتدبير ...
وهو إلى كل ذلك حبيب المصريين، وصديق المماليك، وحامي العربان، وهو مريد من أخلص المريدين في حلقة الشيخ أبي السعود الجارحي ...
شيء واحد كان ينغص على طومان باي هذه السعادة التي اجتمعت له أسبابها، ذلك هو أن عمه السلطان لم يزل على ما رسم لنفسه من أساليب السياسة منذ ولي العرش، فإن أهم ما يعنيه هو أن يجمع المال من كل سبيل فلا ينفق منه شيئا، وأن يحشد المماليك الجلبان في القلعة، فيؤثرهم بنعمته دون غيرهم من القرانصة وأولاد الناس، وأن يستمتع بكل ما يتاح له من أسباب النعيم والترف، والشعب يطلب الغذاء والكساء والمأوى فلا يكاد يجد ... ولا يكاد يجد الأمان من الجباة والولاة وعمال السلطان!
Bog aan la aqoon