كانت المريضة العاجزة تقبض بيديها على حنجرتها بلا هوادة. في تلك اللحظة المريعة، تذكرت مشهدا مرعبا في مسرح «جراند جويجنول»، عندما خنقت جثة مكهربة الرجل الذي أعادها إلى الحياة الاصطناعية بواسطة تيار كهربائي، ثم ازدادت القبضة إحكاما، وبدأت ترى وميض أضواء تحت جفنيها، ثم غابت عن الوعي.
لفترة من الزمن، كان الكسوف المغيم على عقلها تاما، ثم تدريجيا تخللت شقوق متناهية الصغر حواسها الغارقة في الظلام. أدركت أنها مقيدة ومكممة، وأن عينيها مغشيتان، بينما سمعت أصواتا مكتومة تناقش مصيرها.
لم يكن مصيرا مشرقا. مع أنها كانت تجهل جريمتها، كان لديها فكرة مبهمة عن عقوبتها. كانت على اتصال بعربة إسعاف ستلاقيهم في ترييستي، بيد أنها لن تصحبها إلى مستشفى.
لكن رغم قيدها وعطشها والآلام الجسدية والعذاب الذهني، لم تتخل قط عن الأمل.
كان يقال في العائلة إنها أخذت ذلك عن الخالة جين. طوال حياتها، تمنت تلك السيدة الفيكتورية أن تمتلك دمية ناطقة، ودراجة بثلاث عجلات، وعملا في الغناء الأوبرالي، وزوجا، وإرثا. لم تحظ بأي من تلك الأمور، لكنها لم تتخل عن أي من أمانيها، أو تشك في أنها ستتحقق في نهاية المطاف.
عندما حانت نهايتها، كانت في عمر السابعة والسبعين وتتقاضى معاشا خيريا من عائلتها، لكنها أطبقت جفنيها للمرة الأخيرة وهي متشبثة بأمل كبير في حصولها على تلك اللعبة الناطقة ، وكذلك الإرث الذي سيضمن لها حياة رغيدة وموتا كريما.
ساعدت الخالة جين في تفسير سبب مواجهة الآنسة فروي لكل خيبة أمل جديدة بهدوء تام، لكن رأفة بها كانت لحظات صفاء ذهنها قصيرة. أغلب الوقت، كانت في حلم خدر تحاول فيه إلى الأبد الوصول إلى الديار.
كانت دوما ما تنجح في بلوغ البوابة ورؤية مسار الحديقة المضاء ذي التجاويف المبالغ بها، حينئذ تنكشف لها حفرة وراء حجر في غير مكانه. يبدو سياج الشجيرات وأزهار الأسطر الصينية زاهي اللون على نحو غير عادي في ضوء المصباح، بينما يحمل الهواء البارد عبير أزهار الأقحوان الفائح.
لكن مع أنها كانت قريبة لدرجة أنها ترى القرميدة الحمراء المشروخة في أرضية الممر، كانت تعلم أن ثمة خطبا ما، وأنها لن تبلغ قط الباب. كانت تجاهد للخروج من أحد تلك الأحلام المغرية عندما سمعت آيريس تنادي اسمها وتطلب منها أن ترفع يدها.
لسوء حظها لم تعلم أن ثمة خللا في نظام التواصل لديها. لم تكن أي من قنواته واضحة، فلم يستوعب عقلها الرسالة التي التقطتها أذناها إلا بعد أن دفع الطبيب - في هلع يشوبه الحنق - بزواره حرفيا إلى الممر. حتى بعد أن فعل، مر بعض الوقت قبل أن تتواصل جميع مراكزها العصبية مع مركز المعلومات، وحينها كان الأوان قد فات.
Bog aan la aqoon