يرتفع ويبدو عظيما وكأن اسمه وحده يكفي ليقول: «إني موجود وأثري متسرب إلى جمودكم ليقلبه حركة! إني موجود، وحميتي ماضية في خمولكم لتثيره نهوضا! إني موجود، وعزمي متغلغل في قلقكم لينسقه انتظاما!» قلت: مدهش ذلك؟ كلا، بل هو خطير!
أليس أشد دلائل القوة خطرا في أن يظل النسر محلقا ولو مهشما داميا؟ أن يظل محلقا. حتى بجناحين مهشمين داميين؟ •••
ولعل الحياة تحتال على بنيها، لا سيما الأصفياء منهم عندما توسعهم مقاومة وتشبعهم تعذيبا؟ لعلها تودعهم حاجات ومطالب تعلم سلفا إنها غير مهيئة لها ما يقوم بها ويحققها. وما ذلك إلا لتلح على الفرد الموهوب أن يجني المعونة والتعزية والقوة من أعماق وحدته، من أعماق وجعه، من أعماق قنوطه! لعل لها غرضها من المنع والحرمان فيظل لابنها المختار أن يخلق لنفسه عالما يملأه ببرايا هواجسه وبأشباح ما يحب ويأمل وينشد. يظل له أن يبدع ما ينقصه إبداعا ما، إبداع التخيل والتدوين، فتكون الحياة لذاتها عن هذه الطريق صورا جديدة من لهف الحرمان، وزفرات الأسى، وتجمد الدماء التي لا تسيل؟
أم لعل الحياة في أحشائها كلوم يعوزها البلسم، وهو لا يستخرج من شكوى البؤساء. فتخلق لهم المحن لتسمع مثل هذه الزفرات التي ترسلها عائشة في خلوتها:
أعلل نفسي والأماني كثيرة
وما كان أغنى النفس عن ذا التعلل
فلا الوقت في أمري فأقضى مآربي
ولا الدهر يصفو لي فأكمد عذلي
ولا النيل يدنو لي فأروي بفيضه
ولا الصبر طوع لي فتحلو الحياة لي
Bog aan la aqoon