فقالت لي بحماس لم يجز علي: نحن نفنى في خدمة عرش الإله الواحد.
لم تكن مخلصة، ولم تعرف الإخلاص الحقيقي في حياتها. كانت تخشى إذا حذرت زوجها من مغبة عناده أن ينزع الثقة منها فيختار امرأة أخرى ملكة وكاهنة. ومن خلال محاولاتي الحذرة مع الرجال اكتشفت إخلاص توتو وزير الرسائل، فاستمر الحوار بيننا حتى تكاشفنا تماما، ثم كان الوسيط بيني وبين كاهن آمون الأكبر. وكانت تجربة أليمة خضتها بعذاب شديد. كان علي أن أختار بين إخلاصي لأسرتي الجديدة وبين الولاء للبلاد والآلهة، واخترت بعد أن دفعت ثمن اختياري ألما وعذابا. هكذا انضممت إلى المعسكر الآخر، معرضة عن مصلحتي الشخصية وسعادتي الأسرية. وقال لي توتو يوما: الكاهن الأكبر يطالبك بالسعي لضم الملكة إلينا!
فقلت له: لقد سعيت إلى ذلك من قبل أن أكلف به، ولكني وجدتها لا تقل جنونا عن المارق.
وبناء على ذلك أرسل الكاهن الملكة تيى إلى أخت آتون، ثم جاء بنفسه ليلقي على الرجال إنذاره الأخير. وشد ما عارض توتو ذلك! كان يقترح الانقضاض عليهم دون إنذار، ووضعهم جميعا في الأغلال، وإشعال النار في المدينة المارقة. وكنت أود أن أضم حور محب قائد الحرس إلينا؛ فهو صاحب القوة الحقيقية في المدينة، وعرف دائما بالصلابة والاستقامة. ومن خلال الأحاديث التي دارت بيني وبينه آنست منه اتفاقا في الرأي يخفيه الحذر وافتقاد الثقة المتبادلة. ولما لاحت في الأفق نذر الحرب الأهلية قلت له: علينا أن نعيد النظر في مواقفنا.
فرمقني بنظرة متسائلة، فقلت بصراحة: لا يمكن أن نترك مصر تحترق وتصير رمادا.
فسألني بدهاء: ألم تفاتحي أختك الملكة في ذلك؟
فقلت بصراحة أذهلته: إنها لا تقل جنونا عن الملك!
فسألني باهتمام: ماذا تقترحين؟
فقلت بحدة: كل شيء مباح لإنقاذ البلاد ...
ثم كانت النهاية التي عرفتها؛ نهاية مأساة فاقت غزو الهكسوس لبلادنا في الماضي، مأساة خلقها جلوس مجنون على العرش مستغلا قدسية العرش التقليدية في ممارسة نزواته. ولا شك في أن ذنب نفرتيتي أثقل من ذنبه؛ لما خصت به من ذكاء ودهاء، ولكنها لم تهتم إلا بذاتها وطموحها، فلما تولى عنه المجد هجرته في الحال، منضمة في الظاهر إلى أعدائه، مرشحة نفسها ملكة تدعم العرش الجديد، ولكن حيلتها لم تنطل على أحد، فانقبرت في وحدة مظلمة لتجتر العذاب والندم.
Bog aan la aqoon