وكان علقمة في دهره من أحسن الناس غناء وأجودهم جرما. وكان دميما شديد السواد، فكان إذا أتى الحاجب ليستأذن له، لم يلتفت إليه لدمامته وسواده، فشكا ذلك إلى رجل من غسان، فقال له: إنك قد مدحت الملك بمديح لم يمدح بمثله، فأت فلانة الطحانة مولاة آل فلان جار الملك فروها الشعر الذي مدحته به، فإنها تغني على طحينها بالليل، فيسمع لها الملك، فلعله إذا سمع شعرك نبهته بذلك عليك. فأتى علقمة الطحانة فوصلها وخبرها بحاله وسألها أن تأخذ شعره فتغني به الملك في الوقت الذي يسمع لها فيه، فأخذت الشعر فقال لها علقمة: غني حتى أسمع. فغنته فلم يعجبه غناؤها، وغنى هو، فلما سمعته قالت: لا والله ما سمعت بمثل هذا الغناء من أحد من الناس! فإن شئت فأتني إذا أسحرت حتى تدير الرحا، وتغني به، فإنه حري أن يصير إلى ما تريد. قال لها: نعم. فلما أسحر أتاها فأدار الرحا ثم تغنى:
طحابك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب
Bogga 395