والله عز وجل قد جعل الأمر والنهي في خيار آل محمد عليه وعلى آله السلام، وزواه عن ظالميهم وظالمي غيرهم، ومكن أهل الحق منهم وأجازه لهم، وذلك قوله تبارك وتعالى: { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور } [الحج:41]، ثم قال: { وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } [النور:55]، وقال سبحانه لرسله: { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } [إبراهيم:13-14]، وقوله لإبراهيم صلى الله عليه: { لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة:124]، وعلى هذا النحو قال تبارك وتعالى: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } [آل عمران:26]، يعني الأنبياء ومن تبعهم من الأئمة الصادقين، كقوله: { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } [التوبة:119]، وكقول إبراهيم عليه السلام: { فمن تبعني فإنه مني } [إبراهيم:36]، ثم قال: { وتنزع الملك ممن تشاء } [آل عمران:26]، فقد نزع الملك من الفراعنة والجبابرة، وإنما الملك هو الأمر والنهي، لا المال والسعة والجدة، كما قال عز وجل عندما قالوا: { أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء } [البقرة:247]، فقد بين عز وجل في هذه الآية أن الملك هو الأمر والنهي، لا سعة المال، ثم قال: { وتعز من تشاء } [آل عمران:26]، فقد أعز الأنبياء ومن تبعهم من الأئمة الصادقين وأوليائهم الصالحين، وذلك قوله سبحانه: { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [المنافقون:8]، والمؤمن لا يملك من متاع الدنيا شيئا، فسماه الله عزيزا؛ إذ فعله ذلك يوصله إلى دار العز أبد الأبد، ثم قال: { وتذل من تشاء } [آل عمران:26]، فقد أذل الفراعنة ومن تبعهم من الظالمين؛ لأنهم معتدون غير محقين.
فكل من كان في يده أمر ونهي، وكان فعله مخالفا للكتاب والسنة فهو فرعون من الفراعنة، وكل عالم متمرد فهو إبليس من الأبالسة، وكل من عصى الرحمن من سائر الناس فهو شيطان من الشياطين، وذلك قوله: { شياطين الإنس والجن } [الأنعام:112]، ثم قال: { من الجنة والناس } [الناس:6].
والظالم وإن اتسع في هذه الدنيا من مال غيره، وأكثر من مظالم الناس، ووقع عند الجاهل أنه عزيز، فهو عند الله عز وجل وعند أوليائه ذليل ؛ لأن فعله ذلك يورده إلى دار الذل أبد الأبد، كما قال الله عز وجل: { متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } [آل عمران:197]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأمراء الظالمين: ((طعمة قليلة وندامة طويلة.)).
Bogga 77