هذا ما يقوله الإنجيل، ونحن نقبل على كل شيء، ونلهو بذلك عن أنفسنا، فنضيع كل شيء. )
وفي أنفسكم أفلا تبصرون (
الآية القرآنية الشريفة، ولكننا لم نفكر في أنفسنا، ولا نزعنا إلى تعرف ما في خلقنا من غرائب وعجائب، أنا لا أريد تدليلا، ولا أبغي برهنة على وجود «الواجب الوجود» ولكني أدل الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر على طريقة سهلة نافعة قد تؤدي بهم إلى الإيمان من غير عناء ولا كد.
اندمج في حسك، وأنس إلى نفسك، بعيدا عن كل ضوضاء أو خيلاء، في وحدة وسكون، هناك وأنت منسجم مستسلم تشعر بميل غريزي يجتذبك نحو الحق، وتحس بأنه يحقق لك وجوده دون حاجة إلى تدليل أو برهنة.
أمثال نضربها (1) هبك سائرا في صحراء قحلاء، فصادفت ساعة منمقة مضبوطة تعينك على معرفة الوقت وضبط مواعيدك، ألا تستدل من وجود الساعة على أنه لا بد أن يكون قد مر بهذه الصحراء إنسان من غير سكانها وأنه متمدين؟ ألا تحكم على التو بأن هذه الساعة من صنع صانع لم تره ولم تعرفه، وأن هذا الصانع عاقل ومدبر وذو دراية بصنعته؟! (2) إذا رأيت طائرا يحلق في الجو أصابته رمية فجندلته وألقته صريعا وهو على حاله هذه، ألا تحكم للحال بأنه لا بد أن يكون هناك صياد ماهر عاقل ذو قدرة وعلم، ألا تحكم بكل هذا ولو لم تر ذلك الصياد؟! (3) إذا رأيت آلة بديعة الصنع، متقنة محكمة غاية في الإبداع، هل يقع بخاطرك وأنت تراها على هذه الصورة أنها إنما صنعت مصادفة، وأبدعتها الظروف الطارئة؟! (4) إذا آنست طرفة صناعية بديعة الصنع متقنة الوضع، ألا تحكم على التو بأنها لم تكن هكذا إلا بصنع صانع، وأن هذا الصانع عالم وحكيم وماهر في صنعته؟!
إنهم يستدلون على وجود الإنسان من وجود أعماله، ولقد استدل العلماء أصحاب التاريخ البشري على وجود الإنسان الغابر - السابق للطوفان العام - من وجود مصنوعات غليظة استكشفوها في طبقات الأرض الخاصة بذلك العهد؛ كحطمة من إناء خزفي، أو حجارة منحوتة، أو سلاح من حجر.
وما بنا من حاجة إلى الاستزادة من ضرب الأمثال، وهذه الطبيعة حولنا ناطقة بوجود القدير الحكيم المتعال. انظر إلى ما في هذه الطبيعة من إتقان وإبداع، وحسن وإحكام، ونظام وتدبير، ثم احكم بعد ذلك مجردا عن هوى الشيطان وزيغ القلب.
على حين أننا لا نزال خاضعين لناموس النمو والارتقاء، ولا نزال في حالة انحطاط عقلي وأدبي، إذن فليس يمكننا ونحن في هذه الحالة أن ندرك عدم تناهي المولى جل وعلا، ولقد تصوروه كائنا محدودا، وتمثلوه بأشباه تعالى الله عما يصفون علوا كبيرا.
ومن الناس من يجادل بالباطل في عدل المولى )
وكان الإنسان أكثر شيء جدلا (
Bog aan la aqoon