57

Cadhra Quraysh

عذراء قريش

Noocyada

فأدرك محمد أن اعتقادها هذا سيكون صفحة سوداء في كتاب حبها فساءه ذلك، ولكنه أعجب بأنفتها وصدق أدبها وأحب أن يبرئ نفسه في عينيها، فقال وهو يبتسم تأكيدا لبراءة ساحته: «لقد قلت لك يا أسماء إن الرجل لم يقتل ظلما، على أني لو كنت أنا القاتل فلست بنادم، وسأبرر الأمر لديك عما قليل . أما الآن فهيا بنا أدخلك على أمي وهي تتولى تقديمك إلى علي.» •••

ولم يكد يدنو من الباب حتى سمع وقع أقدام في الدار ثم رأى الحسن بن علي يمر به ويسلم، فأجابه محمد: «وعليك السلام يا ابن أمير المؤمنين.» فقال الحسن: «أراك تبشرني بخلافة أنا خائف منها.»

قال: «لا تخف يا ابن بنت الرسول، إنكم أولى الناس بها.»

وكان الحسن يكلم محمدا وينظر إلى أسماء ليعرف المتلثم، فابتدره محمد قائلا: «إن صاحبي أموي جاء للمبيت عندكم فهل تقبلونه؟»

قال: «أهلا به أيا كان، فليدخل.» قال ذلك ودخل، فدخلا في أثره وأسماء لا تزال ملثمة والحسن ينظر إليها ويتوقع حسر اللثام. ولما وقع نظره عليها تذكر أنه رآها في منزل عثمان يوم الدار، فوقعت من نفسه موقعا حسنا وأعجب بها، فقال: «أهلا بك يا أخية.»

أما أسماء فتهيبت الموقف ونظرت إلى الحسن، فإذا هي أمام شاب أبيض اللون مشرب بالحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، كث اللحية، ربع القامة، جعد الشعر، لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره، وكان أشبه الناس بالنبي. وغلب عليها الحياء فأطرقت وقالت: «بورك في بيت شرفه الله!» فقال محمد للحسن: «وأزيدك معرفة بها، فهذه أسماء بنت يزيد التي جاءت منذ بضعة أسابيع تدعو مولاي أبا الحسن إلى أمها على فراش الموت لتطلعه على سر، فقضت رحمها الله قبل وصوله وذهب السر معها إلى القبر.»

قال الحسن وهو ينظر إلى أسماء: «إن أبي لا يزال يذكر ذلك ويأسف لضياع السر، ويعجب بما آنسه في هذه الفتاة من الهمة والأنفة.» قال ذلك وسار أمامهما فمشيا في أثره وقد اتقدت نار الحب والغيرة في قلب محمد وكأنه ندم على مجيئه بها، فسأل الحسن: «أين نحن ذاهبون؟»

قال الحسن: «إلى خالتي أمامة أعرفها بأسماء فتبيت عندها الليلة.» فلم يرق الأمر لمحمد لأن الحجاب يمنعه من الدخول معهما إلى أمامة، فبقي خارجا على مثل الجمر، ودخل الحسن إلى حجرة أمامة بلا استئذان. وكانت جالسة وحدها وقد لبست ثوبا بسيطا وفي عنقها قلادة من جزع كانت شديدة الاحتفاظ بها، فلما رأت الحسن داخلا أرادت أن تسأله عن أمر الناس والخلافة فإذا هي بأسماء تتبعه، فلما رأتها أعجبت بطلعتها. فدنت أسماء تهم بتقبيل يدها فمنعتها وقبلتها، فابتدرها الحسن قائلا: «هذه يا خالة أسماء، وأظنك تذكرين حديث أبي عن أمها وعن سرها الذي مات معها.»

ثم التفت إلى أسماء وقال: «إنك بين يدي أمامة زوجة أبي، بنت زينب بنت الرسول، وكان جدي يحبها كثيرا. وانظري إلى هذه القلادة في عنقها، فقد أهداها إليها رسول الله، وكانت أحب أهله إليه.»

فازدادت أسماء إجلالا لأمامة، وظلت واقفة حتى دعتها إلى الجلوس فجلست على وسادة بالقرب منها. فقال الحسن: «إني أوصيك بضيفتك، ولا سيما وقد علمت مكانتها عند أبي.» قال ذلك وخرج فرأى محمدا في انتظاره على مثل الجمر، فقال له: «كيف عرفت هذه الفتاة يا محمد؟» قال: «عرفتها يوم جاءت تدعو مولاي أبا الحسن إلى أمها، وقد صحبتها إلى قباء وهي في زي الرجال ثم رأيتها مرة في دار عثمان، ورأيتها اليوم جاءت تبحث عن منزلكم فإنها غريبة، وكان أبوك قد دعاها إلى الإقامة عندكم تعزية لها على حزنها ويتمها.»

Bog aan la aqoon