فاطمأنت نائلة لهذا الرأي، ولكنها بقيت تخشى عاقبة الحصار فصرفت القيم وجلست وهي تتنهد وتتأوه وأسماء تهون عليها. ولم تكد تجلس حتى سمعت جلبة ووقع أقدام في الدار، فنهضت مسرعة ولم تكد تفتح الباب حتى لقيها مروان وقد تزمل بعباءته وتقلد سلاحه كأنه على سفر، فلما رآها سلم وتقدم إليها فاستعاذت بالله من رؤيته وقالت: «ما الذي جاء بك يا مروان؟»
قال: «إني ذاهب في أمر ذي بال، وقد جئت لوداعك. وهل تلك الفتاة عندك؟»
قالت: «هي عندي، وما غرضك منها؟ اذهب في مهمتك.»
قال: «أريد أن أراها قبل سفري.» قال ذلك ودخل الغرفة، فلما رأته أسماء أجفلت ولكنها لبثت صامتة لا تتحرك، فقال لها وهو يضحك: «ألا تزالين على رغبتك في منازلتي يا أسماء؟»
قالت وهي جالسة لا تعبأ بقوله: «لو كنت رجلا حرا لنازلتني لما دعوتك للنزال.»
قال: «لو لم أكن على سفر لأدبتك وربيتك، وإن ابن أبي بكر لا يغني عنك شيئا.»
فلما ذكر محمدا ثارت فيها الحمية وقالت: «أراك تذكر الرجل في غيبته، فإذا حضر سكت!»
فأغرب في الضحك وقال: «سوف ترين وتسمعين ما تندمين عليه حين لا ينفعك الندم، ولسوف يذوق هو مرارة الحرمان من منصب طالما طمح إليه، ونقم من أجله على أمير المؤمنين وأثار المسلمين وحرض على الفتنة.»
فهمت أسماء بأن تجيبه، فأشارت إليها نائلة أن تكف وقالت لمروان: «اذهب يا ولدي لعل في السفر راحة لنا ولك، إننا لم نر في إقامتك خيرا.»
فضحك مروان وظنها تمزح، وأمسك بيدها حتى تواريا عن أسماء وهمس في أذنها قائلا: «احتفظي بها فإني عائد قريبا للزواج بها. وإنها والله لجميلة، وأراني أحبها وأغار عليها بالرغم مني، ولا أرى في بنات قريش أجمل منها ولا أكمل منها، ولكنها لا تزال صغيرة لا تعرف مقام الرجال.»
Bog aan la aqoon