فعجب محمد وقال: «كيف كان ذلك؟»
قالت: «إن حديث ذلك طويل يحتاج إلى شرح، ولكنني أقول بالاختصار إن هذا الشاب رافقنا من الشام لأرب في نفسه [بقصد أن] يناله، ولولا ضعف أبي وانحيازه إليه لما استطاع المسير معنا خطوة، ولكن ...»
فقال: «وأي أرب؟» فلم تجب كأن الضعف والحياء قد عادا إليها فأطرقت صامتة.
ففهم محمد مرادها فازداد بغضا لمروان وغيرة على أسماء، ولم يعد يصبر على بقائها هناك وحدها. ونظرا إلى ما يعلمه من نفوذ مروان لدى الخليفة، خاف أن يوسطه في إقناعها أو استرضائها فتقبله على كره منها، ولما تخيل هذا أحس بنيران هبت في بدنه، وصار إلى خلع عثمان أو قتله أميل. فصمت برهة يفكر ثم قال وهو يريد أن يزيدها كرها واحتقارا لمروان: «إني أعرف من أمر هذا الغلام ما لا يعرفه سواي، فقد سمعت من أختي أم المؤمنين (عائشة زوجة النبي) أن النبي لعنه وهو في صلب أبيه، فقال لأبيه الحكم بن العاص: «ويل لأمتي من صلب هذا!» فما ترجين منه بعد ذلك؟ أصغي لقولي وتعالي معي إلى منزل علي.»
قالت: «ربما ذهبت إليه في فرصة أخرى.»
فبهت محمد وهو يود أن يبثها ما خالج قلبه من حبها ويستطلع ضميرها ولكن الحياء والهيبة منعاه من ذلك، فظل برهة صامتا وهو لا يزال واقفا بإزاء السرير وأسماء جالسة مطرقة وقد خالج ضميرها مثل ما خالج ضميره وهي أكثر حياء منه، فظلت صامتة تنتظر أن يفتح هو الحديث. •••
قال محمد بن أبي بكر لأسماء: «إني لا أرى عارا في خروجك من هنا إلى منزل علي وهو الذي اقترح هذا، ولا أخفي عليك أن الهياج قد اشتد على الخليفة فهو لن ينجو من الخلع أو القتل، وبخاصة إذا ظل مصغيا لمشورة مروان، فهيا بنا.»
فهمت بالجواب، ولكنها لم تكد تفعل حتى سمعا سعال يزيد ثم رأياه يدخل، فبغت محمد ونفر من رؤيته لأنه لم يكن يحسن الظن به. أما يزيد فحالما رأى محمدا تقدم إليه وحياه وتظاهر بالترحيب به، وسأله عن علي قائلا: «كيف مولانا أبو الحسن؟» فقال محمد: «في خير».
قال: «ألا ينوي الخروج إلى الحج فقد آن أوانه وأرى الناس يتأهبون له؟»
قال: «لا أظنه يستطيع ذلك هذا العام.»
Bog aan la aqoon