فلما سمع مروان مقالها قهقه استخفافا ولم يجبها، ولكنه حول وجهه إلى الخليفة وقال: «كأن هذه الفتاة تريد أن يسمع أمير المؤمنين لمشورة النساء، وقد قيل إنهن ناقصات العقول.» قال ذلك وأغرب في الضحك.
فحمي غضب أسماء وثارت الحمية في رأسها، وقالت: «إن النساء مهما يكن نقص عقولهن لأكمل عقلا ممن يرى العبرة ولا يعتبر، فقد كفاك تغريرا بأمير المؤمنين، واعلم أن الذين أشاروا عليه بما عمله إنما هم نخبة المهاجرين وخير صحاب الرسول وليسوا ناقصي العقول.»
وكانت نائلة تسمع كلام أسماء وقلبها يرقص طربا، ولكنها خافت طيش مروان وتوقعت أن يغضب، فإذا به عاد إلى الضحك وقال: «لا أقول إنهم ناقصو العقل ولكنهم يريدون إذلالنا ونزع هذا الأمر من يدنا، وليس من شأنك أن تشيري على أمير المؤمنين.»
قالت: «لم أقف في حضرته إلا بإذنه، وليس لك أن ترد ما أمر به.»
فحمي غضب مروان فوقف ويده على قبضة حسامه وقال: «والله إني ضاربك بحد السيف فقاطعك نصفين!»
فابتسمت مستخفة، ورفعت يدها وقد انحسر بعض كمها حتى بان معصمها وقالت وهي تشير إليه بسبابتها تهديدا: «لا تظنني أخاف حسامك إذا جردته، فلولا حرمة أمير المؤمنين لقتلتك بسيفك، فاردد يدك عن قبضته فما أنا ممن يخاف السيوف. ولا يغرنك أني فتاة، وإذا أردت أن تعرف من أنا فعليك بالنزال في ساحة الوغى.»
فعجب الحاضرون لهذه الحماسة وبهتوا لما سمعوه مما لم يكونوا يتوقعونه من الفتاة، أما مروان فخجل من تأنيبها وكظم غيظه وتظاهر بالاستخفاف وعاد إلى مجلسه ضاحكا وهو يقول: «لولا حرمة أمير المؤمنين لعلمتك معنى النزال.»
قالت: «كان يجب عليك أن تحترم مجلس الخليفة قبل أن تقبض على الحسام، وما رجوعك عن قحتك إلا جبن وخزي.»
فهم مروان بالوقوف ثانية وقد امتقع لونه وارتعشت أنامله، فأمسكه عثمان وأجلسه وهو معجب بجرأة أسماء، ثم وضع يده على كتف مروان وقال له: «لم أكن أتوقع منك إطالة الجدال، وكأني بك تجرد السيف أمامي إذا تركتك وشأنك!»
فخجل مروان وسكت وفي نفسه حزازة ونقمة.
Bog aan la aqoon