قالت نائلة: «اتبعيني فإن في حجرتي نافذة تطل على المكان الذي يقف فيه أمير المؤمنين.»
فنهضتا ولبثتا برهة ريثما خرج الناس، ثم خرجتا إلى غرفة نائلة وأطلتا من النافذة بحيث تريان وتسمعان ولا يراهما أحد. فرأتا عثمان وقد أشرف على الجموع، فلما رآه الناس علا ضجيجهم ونظروا إليه فقال وصوته يتلجلج: «أيها الناس، إني أول من اتعظ، أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه فمثلي من نزع وتاب. فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروا في رأيهم، فوالله لئن ردني الحق عبدا لأستن بسنة العبيد، ولأذلن ذل العبد! وما عن الله مذهب إلا إليه، فوالله لأعطينكم الرضا، ولأنحين مروان وذويه ولا أحتجب عنكم!»
ولم يتم كلامه حتى اختنق صوته وترقرقت الدموع في عينيه، فبكى كل من سمعه.
وكذلك بكت نائلة وأسماء، وبينما هما خارجتان سمعتا وقع أقدام آتية إلى الغرفة، ثم رأتا عثمان داخلا وقد امتقع لونه واضطرب. فلما رأته أسماء همت بالخروج حياء فدعتها نائلة للسلام عليه، فتقدمت إليه وهي مطرقة إجلالا وهمت بتقبيل يديه فحياها وهو يتأمل جمالها وهيبتها، ثم نظر إلى نائلة مستفهما فقالت: «إنها ضيفة عندي يا أمير المؤمنين، وأحمد الله على أن قدومها كان خيرا فقد قضي الأمر.» فتنهد وهو يبحث عن وسادة يجلس عليها، فلما جلس دعاهما للجلوس فجلستا وهو لا يزال يتفرس في أسماء وقد استغرب لباسها الأسود، وقال: «ما لي أراها في السواد؟»
قالت: «لأنها فقدت أمها بالأمس وهي قادمة من الشام، فنزلت عند جيراننا بني حزم مع أبيها.»
قال: «ومن هو أبوها؟»
قالت: «يزيد الذي جاءنا منذ أيام.» فنظر إليها وابتسم ابتساما لم يغير شيئا من مظاهر اضطرابه وقال: «لقد جئت أهلا ووطئت سهلا، عزاك الله على مصابك!»
فقالت أسماء: «من كان في جوار أمير المؤمنين فهذا عزاؤه.»
فأعجبه جوابها وقال: «وماذا يصنع أبوك؟»
قالت: «لا شيء يا مولاي.»
Bog aan la aqoon