قال عثمان: «لقد طالما وعدتهم وأمهلتهم فلم يقنعوا.»
قال علي: «وعدتهم ثم أخلفت، ولا نعد ذلك إخلافا منك ولكنك أصغيت لابن عمك مروان، وهو غلام لا يفقه شيئا، فإذا نحن خرجنا من بين يديك جاءك وأعظم استرضاءك المسلمين وقد فاته أن في استرضائهم قطع دابر الفتنة، فقم إليهم وكلمهم.»
وكانت أسماء تسمع فراقها انصياع عثمان واستبشرت خيرا، ولكنها لما سمعت ذكر مروان اقشعر بدنها.
أما عثمان فقال: «سأقوم وأخاطبهم ولا بأس من هذا، ولكن ما الذي حملهم على هذه الثورة؟ أخبروني إن كنت مخطئا استغفرت لذنبي وأذعنت.»
فابتدره الزبير قائلا: «يقولون إنك استأثرت بالإمارة وجعلتها لنفع أقاربك، وجمع الأموال والاستكثار من الخدم والضياع، فإنك تملك نحو مائة وخمسين ألف دينار وألف ألف درهم نقودا، ومثلها من الضياع، وقد اقتنيت الخيل والإبل، وقد كان الفاروق عمر بن الخطاب يرقع ثوبه بالجلد. وهذا ابن عم الرسول يقول: يا بيضاء ويا صفراء غيري غيري.»
فالتفت عثمان إلى الزبير وقد نشط كأنه شعر بأن الحق في جانبه وقال: «أأنت تقول ذلك يا ابن العوام؟! أتحسبون حشد الأموال ذنبا يستوجب القتل ونحن فيه سواء؟! ألم تستكثر أنت من الأموال؟! ألا تملك خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وألف أمة ما عدا الدور والضياع؟! وهذا طلحة أيضا فإن غلته من العراق ألف دينار في اليوم وعنده ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم، وهذه داره في الكوفة وتسمى الكناس، وهذا زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما من الصحابة عندهم الأموال الوافرة. لعلكم ورثتموها عن آبائكم، أم هي مال حلال لنا جميعا غنمناها في الجهاد بنعمة الإسلام؟»
ثم توجه بقوله إلى الجميع وقال: «إننا نعرف بعضنا بعضا في الجاهلية، وقد كنا نسكن أرضا غير ذات زرع ولا ضرع، وكان فينا أناس يأكلون العقارب والخنافس ويفاخرون بأكل وبر الإبل يموهونه بالحجارة في الدم ويطبخونه، حتى أنارنا الله بالإسلام واجتمعت عصبية العرب على الدين وطلبنا ما كتب الله لنا من الأرض بوعد الصدق، فابتززنا ملكهم واستبحنا دنياهم. أليس ذلك مالا حلالا لنا؟ فكيف نستحق القتل أو الخلع عليه؟! وأما إعالتي أقاربي فقد كان رسول الله يعطي قرابته. ولكني أراكم قد غرتكم مقالة ابن سبأ.» قال ذلك وقد أخذ منه الغضب مأخذا عظيما حتى رقصت لحيته.
فلما سمع علي مقالته أغفل الإشارة إلى ابن سبأ لأنها تتعلق به وقد تسبب نفورا، ولكنه قال: «يخيل إلي يا أبا عبد الله أن سبب هذه الفتنة إنما هو ما ذكرت من استكثار المال فإنه يفرق بين الأب وابنه، وهذا ما حملني على كرهه حتى قلت: «يا صفراء ويا بيضاء، غيري غيري»، فها إنها قد غرتكم. ولكن ما لنا ولهذا الجدال؟! فقد جئنا نطلب حسم الخلاف وهو لا يكون إلا بأن تخطب هؤلاء الناس المحيطين بالدار، ولا آمن أن يجيء ركب آخر من الكوفة والبصرة فتقول: «يا علي، اركب إليهم»، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك.»
فقال عثمان: «إني أول من اتعظ ولا أحب أن يهرق بسببي محجب من الدم.» قال ذلك ونهض وهو يصلح عمامته ويمكن برده على كتفيه والقضيب بيده، وخرج وتبعه علي ورفاقه.
قالت أسماء: «بورك في علي! فإن به صلاح هذه الأمة. وكم أحب أن أسمع الخليفة يتكلم!»
Bog aan la aqoon