فلما سمعت كلامه ارتعدت فرائصها وذكرت أنها تعرف الصوت فقالت: «من أنت؟!»
قال: «إني عبدك مسعود، لا تخافي. وقد جئت لإنقاذك.»
قالت: «من أين أتيت؟! ومن أرسلك؟! هل هبطت من السماء أم خرجت من جوف الأرض؟!»
قال: «لم يرسلني أحد ولكنني كنت سجينا في هذا المكان منذ فارقتك في دير البصرة، لأني خرجت من الدير وفيما أنا عائد إلى الكوفة ظفر بي جماعة من بني أمية كانوا قادمين بمهمة من معاوية، فقبضوا علي وساقوني إلى هذا السجن لأني من صنائع ابن أبي بكر. وأشكر الله الآن على وجودي هنا لعلي أستطيع إنقاذك من أيدي هؤلاء الظالمين.»
فاطمأن بالها ولكنها حسبت نفسها في منام مثل منام الأمس، فقالت: «وكيف عرفت أني هنا؟!» قال: «رأيتك مع الحراس لما أتوا بك عند الغروب، ولبثت أنتظر فرصة آتي بها إليك، وقد جئت حتى كدت أقترب منك فسمعت خطوات السجان فهرولت راجعا. وأما الآن فلا خوف علينا من السجان، تعالي معي.»
قالت: «وأين السجان؟» قال: «ذهب إلى بيت مروان.»
قالت: «وكيف ذلك؟! أخشى أن يكون هنا!» قال: «لا تخافي، لأني حرضته على المسير إلى مروان ليخبره برفضك طعامه، وليحثه على المجيء للانتقام منك، وأطمعته بمال يناله منه إذا فعل ذلك، وعزمت على الخروج في أثناء غيابه.»
قالت: «والباب؟» قال: «لقد ظن السجان المسكين أنه أقفله ولكنه ما زال مفتوحا. تعالي قبل أن يعود السجان أو يأتي مروان.» فترددت برهة وقد أكبرت أمر الفرار، فأدرك مسعود ترددها فقال: «أتحسبين خروجك من هذا السجن فرارا، وما بقاؤك فيه غير الموت والعار؟ تعالي، وأسرعي أناشدك الله!»
ومشى فمشت هي في أثره، ثم عاد إلى المصباح وقال: «أرى أن نطفئ هذا المصباح لئلا يدل علينا.» وأطفأه فأظلم المكان ولم تعد أسماء تعرف الطريق، فأمسك بيدها ومشيا وهي ترتعد، حتى خرجا من الغرفة الثانية إلى الدار الصغرى وأطلا على البيت، وما صعدا الدرجات حتى سمعا كلاما في طرفه الآخر مما يلي الدار الكبرى، فوقفا ينصتان فإذا بمروان والسجان يتحدثان ومروان يقول: «لا بد لي من قتلها إذا ظلت على عنادها، وقد كنت أتوقع هذا العناد منها ولذلك فإني أرسلتك بالطعام وسرت في أثرك.»
فجمد الدم في عروق مسعود وأسماء وأيقنا بالهلاك، وشق ذلك على مسعود لأنه عرض أسماء للخطر. أما هي فهدأت روعها وضغطت يد مسعود وجرته إلى ما وراء باب الممر حيث انزويا وقلباهما يخفقان، ولبثا ينتظران دخول مروان والسجان فسمعا مروان يقول: «هات المصباح وتعال.»
Bog aan la aqoon