فلما سمع قولها انبسطت أسارير وجهه وتفرس في وجهها وقال: «نعم، نعم، رأيتك مع أمك وقد جئتما إلى كنيسة مار يوحنا في دمشق لزيارة القسيس مرقس الشيخ البار، نعم أذكر ذلك. أين أمك؟»
فلما سمعت أسماء ذكر أمها ترقرقت الدموع في عينيها، فبادرت إلى مسحهما بطرف كمها وسكتت.
فأدرك الرئيس أن هناك أمرا محزنا دعاها إلى البكاء فسكت قليلا ثم قال: «هل أصابها سوء؟»
فقالت وهي تبكي: «نعم يا سيدي، إنها ماتت وا أسفاه عليها! ولولا مماتها ...» وشرقت بدموعها.
فأطرق الرئيس ونظر إلى الراهب وكان ما زال جالسا، وأشار إليه أن يخرج من الغرفة ففعل. فلما خلا الرئيس إلى أسماء جعل يخفف عنها ويعزيها حتى هدأ روعها، ثم قال لها: «هل عرفت أباك؟»
فلما سمعت سؤاله آنست من ورائه نورا لعلها تهتدي به إلى استطلاع ذلك السر الذي كانت تظنه دفن مع أمها، فقالت: «لا يا سيدي، لم أعرفه. وهل تعرفه أنت؟» فسكت ثم قال: «لا يا ابنتي، لست أعرفه، ولكن ...» وسكت.
فقالت: «ولكن ماذا؟ قل يا سيدي، إن معرفته تهمني كثيرا. وقد كنت أحسب أمر أبي مكتوما عن كل بشر سوى أمي، ولما توفيت حسبته ضاع ودفن معها، فكيف عرفت أنت أن أبي مجهول، وقد كان ذلك سرا مكتوما عن كل إنسان على ما أعلم؟! فاطلاعك عليه يستلزم معرفتك حقيقته، فهل تعرف شيئا عنه؟» قالت ذلك بلهفة.
فلبث الرئيس الشيخ صامتا يجيل أصابعه في لحيته كأنه يكتم أمرا ود لو أنه ظل كذلك، ولكنه لما رآها متلهفة قال لها: «صدقيني يا ابنتي إني لا أعرف من هو أبوك، ولكنني أعلم أن الذي كان مع أمك يوم رأيتك في كنيسة مار يوحنا بدمشق ليس أباك.»
قالت وهي تخفض صوتها احتراما لمقام الرئيس وشيخوخته: «وكيف عرفت ذلك يا سيدي؟ ربما لا يهمك أمر هذا السر مطلقا ولكنه يهمني كثيرا، لأنني علمت كذلك أن يزيد الذي كان مع أمي - رحمة الله عليها - ليس أبي، وأن لي أبا غيره كانت أمي قد وعدتني بذكره فقضى الله بموتها قبل وصولنا، وا حسرتاه عليها! فظللت مجهولة النسب. وأظن أن الله قد أراد كشف هذا الذل عني على يدك.» قالت ذلك وهمت بتقبيل يده وهي تقول: «أتوسل إليك أن تطلعني على ما تعرفه في هذا الشأن!»
وكانت تتكلم والرئيس مطرق، فلما انتهت من كلامها رفع نظره إليها وقال: «قلت لك يا ابنتي إني لا أعرف من هو أبوك. وأما كيف عرفت أن لك أبا غير يزيد فلهذا قصة لا بأس بأن أرويها لك لعلها تفيدك.»
Bog aan la aqoon