وكان الراهب في أثناء ذلك مشتغلا بقراءة درج (رق) في يده، فيه فرض من فروض الصلاة.
ولما سمع مسعود كلام أسماء وشاهد الدمع ينحدر من عينيها تأثر من منظرها واستعظم كتمانها حالها عن محمد، فقال لها: «كيف أكتم عنه حالك وقد عهد إلي في العناية بك؟!»
قالت: «افعل ما أقول لك، اتركني هنا واذهب إليه لعله يحتاج إليك في شيء، وأنا لا بأس علي في هذا الدير فإن أصحابه أهل ضيافة ورعاية. وقد صرت على مقربة من معسكر أم المؤمنين، وبعد أيام أنقه من جرحي فأذهب إليها، والاتكال على الله.»
فتركها ومضى إلى غرفة الرئيس فرآه خارجا، فسأله عن رأيه في جرح أسماء فطمأنه بألا خوف منه، وبأنه سيتولى العناية بها حتى تشفى.
وبات مسعود هناك، وفي الصباح خف إلى رؤية أسماء فسر لتحسن حالها، ثم ودعها ومضى وهي تلح عليه في أن يطمئن محمدا عنها.
الفصل الرابع عشر
عود إلى السر
قضى رئيس الدير نهاره وليله ينظر إلى أسماء ويجهد فكره لعله يتذكر عنها شيئا فلم يفتح عليه، ثم خرج لوداع مسعود وعاد إليها وكانت قد تعبت من الرقاد وجلست في الفراش، فلما دخل نظرت إليه وتأملت وجهه فتذكرت أنها رأته مرة قبل ذلك في دمشق يوم سفرها منها مع أمها إلى المدينة، وكانت قد لحظت تفرسه فيها. فلما عاد من وداع مسعود جلس على طنفسة بقرب فراشها فنظرت إليه وقالت: «ألا تذكر يا حضرة الأب المحترم أنك رأيتني قبل الآن؟»
قال: «هذا ما شغل بالي منذ أتيتنا أمس، ولكنني لا أذكر أين رأيتك.»
قالت: «أظنك رأيتني في دمشق في العام الماضي.»
Bog aan la aqoon