وطال في عالم الأهوال تردادي
فمن شقي إلى لص إلى نفق
إلى ظلام بروعي رائح غاد
إلى قفار إلى سهل إلى جبل
إلى غلام من الفجار مصطاد
أروح في أسر سلطان الهوى وأجي
ولا أبي لي ولا سلطانه فادي
فكان الفتى يصيخ لما يقوله الصوت، وهو يكاد يخرج من رشده ويود لو خرق الحائط لينظر، فلا يمنعه إلا الشك في كونه يقظان، وأن ذلك ربما كان حلم وسنان، وكان نجم الصبح قد بان، ينير سماء الأكوان، فشغل الفتى عندئذ عما كان فيه أنه نظر إلى الفضاء، فبدت له من بعد خيام على البيداء ولم يكن رأى من ذلك شيئا حين وفوده في المساء، فاستغرب الأمر وأحب أن يعرف من المخيم فخرج من غرفته، يبحث عن رب النزل ليسأله فألفاه وامرأته في المطبخ، منكبين على لبن يغليانه، وفطير يهيئانه، فتقدم فحياهما ولم ينبسا بجواب.
فدنا حينئذ من المرأة وبيده عقد من اللؤلؤ فأراها إياه قائلا: هذا يا سيدتي لك إن عرفتني من الفتاة التي بجانبي، ولمن الخيام التي دون النزل على البيداء فاشتغلت لحظة بما رأت، عما كانت تباشر من العمل، فزجرها الرجل قائلا: ما لك ولهذا الهندي الحقير؟ التفتي إلى اللبن والفطير، فما كل يوم يمر الأمير فضربت المرأة الفتى بكوعها، ثم عادت لما كانت فيه من العمل، أما هو فلم يجد بدا من الانصراف فانثنى خارجا، وقد صار عنده نصف الخبر، ولكنه ما بلغ باب المطبخ حتى أبصر الفتاة مقبلة فابتدر لقاءها قائلا: ليس ذا وقت خطاب الزوجين، فقد وجدتهما يا سيدتي مشغولين بتهيئة بعض اللبن والفطير لكاهن عظيم مخيم في رجاله دون النزل. قالت: هذا ما كنت أريد معرفته، فشكرا لك يا سيدي.
ثم انثنت عائدة إلى غرفتها وتركت الفتى بلا حراك ولا وجدان؛ إذ كان قد عرفها من أول نظرة. غير أنه خاف على حيلته أن تفسد فاستجمع وتقوى ودخل غرفته، وكانت مفتوحة فتركها كما هي، وجعل يتمشى فيها وهو تعب النظر حيران، بين باب الفتاة وبين باب المطبخ، حذرا وخوفا، أن تجتمع بصاحبي النزل أو أحدهما، فتعلم أن الأمير مخيم تحت شباكها مقيم، وقد صمم على أن يحول دول هذا الاجتماع كائنا ما كان.
Bog aan la aqoon