Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Noocyada
لم تفلح الأبحاث اللاحقة في اكتشاف أي مزيج من الوقود الدفعي التقليدي يستطيع تنفيذ مهمة الإقلاع، ثم خطر خاطر عابر لجون بارسونز، كبير الكيميائيين. كانت معظم المواد المستخدمة في هذا الوقود عبارة عن مساحيق من البارود، سهلة التفتت بطبيعتها وعرضة لحدوث فرقعات؛ فماذا يحدث لو استخدم وقود لا يحدث فرقعة، مثل الأسفلت أو قار الرصف؟ صهر بارسونز كمية من ذلك في إناء، ثم مزجها في كمية كبيرة من فوق كلورات البوتاسيوم، الذي كان بمنزلة مادة مؤكسدة. نجحت التجربة! وكان الوقود يشبه الأسفلت الصلب؛ وأعطى قوة دفع جيدة ولم يحدث فرقعة. وفي الواقع، كان هذا الوقود الصلب يزداد ليونة وانسيابية في درجات الحرارة المرتفعة، وهو ما كان يتطلب تخزين الوحدات الجاهزة للعمل بحيث تكون فوهتها لأعلى.
كان هذا تطورا كبيرا في مجال الوقود الدفعي الصلب. وبالإضافة إلى ذلك، كان مارتن سمرفيلد يحقق تقدما ملموسا في تجاربه حول الوقود الدفعي السائل، الذي كان مصمما أيضا للمساعدة في إقلاع الطائرات. وكان باحثا البحرية، جودارد وجيمس وايلد، يسيران على نهج تقليدي يستخدم الأكسجين السائل، لكن هذا السائل الفائق البرودة لا يمكن تخزينه؛ لأنه يتبخر في الحال عند امتصاصه الحرارة، وكان الجيش في حاجة إلى أنواع وقود دفعي قابلة للتخزين؛ لذا، شرع سمرفيلد في بناء محرك صاروخي يستخدم هذه المواد.
أشار عليه بارسونز أن يجرب استخدام حمض النتريك الأحمر كعامل أكسدة، بمعنى أن يستخدم حمض النتريك التجاري مع مزيج من ثاني أكسيد النيتروجين. وكان سمرفيلد يأمل في تسخين هذا الحمض مع الجازولين أو الكيروسين، اللذين كانا يمثلان نوعين مألوفين من الوقود، لكنه لم يستطع استخدام المزيج بنجاح؛ إذ كانت محركات الصواريخ التي استخدمها تحدث صوت أزيز مكتوم شديد، ووسط مستويات الضغط المتذبذبة بسرعة، كانت المحركات تتوقف عن العمل أو تنفجر.
لم يكن أحد في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا يعرف حلا لهذه المشكلة؛ لذا، سافر مالينا إلى أنابوليس للقاء صديقه ورفيق دربه في الاهتمام بمجال الصواريخ، وهو روبرت ترواكس، الذي كان يدير وقتئذ برنامج الصواريخ في البحرية. بدا ترواكس، الذي كان رئيس جودارد، متجاوبا تماما، واقترح أحد مساعديه من الكيميائيين حرق الأنيلين مع حمض النتريك، واشتعل هذا المزيج تلقائيا عند خلطه، دون حاجة إلى جهاز إشعال منفصل. وكان مالينا يأمل في أن عملية الإشعال السريعة هذه ستؤدي إلى عملية احتراق سريعة، وهو ما سيسفر عن أداء أكثر سلاسة للمحرك.
جرب سمرفيلد هذا الخليط من الوقود، وعلى حد قول فون كارمان: «كانت النتائج مبهرة؛ إذ امتزج حمض النتريك والأنيلين على نحو رائع، وكان اللهب المتولد في المحرك عن هذا الامتزاج ثابتا تماما.» وكان هذا الإنجاز في مجال صواريخ الوقود السائل مماثلا للإنجاز الذي حققه بارسونز في مجال الوقود الصلب. ولم تقتصر جهود مالينا وسمرفيلد على هذا الاختراع المهم لصاروخ وقود سائل يعمل بوقود دفعي قابل للتخزين، بل أظهرا أيضا كيف يمكن أن يسمح هذا المزيج من الوقود التلقائي الإشعال بتشغيل محرك على هذا النحو الثابت والموثوق فيه.
بحلول ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة قد دخلت الحرب، وصارت البحرية مهتمة أيضا بهذا النوع من التجارب. وفي أوائل عام 1942، أبرمت البحرية عقدا التزم مالينا وزملاؤه بموجبه بتطوير وحدات صاروخية للمساعدة في إقلاع الطائرات من حاملات الطائرات؛ وكان من الواضح أن هيئات القوات المسلحة تقدم سوقا للبضائع الجاهزة التي كان يجري إنتاجها من هذه الوحدات؛ وكان من الواضح أيضا أنه لا سبيل لأية شركة تجارية أن تجد لها مكانا وسط الأبراج العاجية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. على أية حال، كان من الممكن أن تختفي هذه المشكلة إذا أسس الباحثون في مجال الصواريخ شركة منفصلة عن الجامعة.
بناء على ذلك، أشار مالينا على فون كارمان أن يبادر إلى تأسيس هذه الشركة، ورأى الجنرال أرنولد أنها ستكون فكرة جيدة، وسعى كارمان إلى طلب المساعدة من أندرو هيلي - أحد الأصدقاء الذي كان محاميا أيضا - والتقيا مرارا في غرفة معيشة كارمان، وكان برفقتهما مالينا وسمرفيلد وبارسونز وفورمان. كانت الشركة الجديدة في حاجة إلى اسم، واقترح هيلي ومالينا اسم «إيروجت». وكان من المقرر أن تبيع الشركة صواريخ، لا طائرات نفاثة، لكن الاسم كان يعكس شغفا متزايدا بالدفع النفاث، بينما يدل في الوقت نفسه على الابتعاد عن هالة باك روجرز التي كانت لا تزال مرتبطة بالصواريخ. ملأ هيلي بيانات أوراق تأسيس الشركة في شهر مارس، وصار فون كارمان رئيسا لها؛ وفيما يتعلق بمقر الشركة، استقرت المجموعة على معرض بيع سيارات في وسط مدينة باسادينا.
لم تكن الشركة أكثر من بداية مشروع، لكنها أحدثت تأثيرا ونفوذا في أماكن مرموقة، واتضح ذلك عندما استدعي هيلي للخدمة في الجيش كمستشار قانوني. ولم تكن لدى فون كارمان معرفة جيدة بالأعمال التجارية، واكتشفت إيروجت فجأة أن من يرأسها لا دراية له بالعقود والقانون التجاري، ومن ثم لم تتلق الشركة أي طلبيات جديدة من وزارة الحربية؛ وكان الحل هو استعادة خدمات هيلي، لكن لم يكن بمقدور أحد سوى الجنرال أرنولد أن يحرره من الخدمة في الجيش. أجرى كارمان اتصالا هاتفيا بأرنولد، وبعدها بست ساعات صار هيلي مدنيا من جديد ، وأصبح مؤهلا لتولي رئاسة «إيروجت»؛ ومثلما قال كارمان لاحقا: «إن عجائب الكفاءة العسكرية في بعض الأوقات تكون مدهشة للغاية.»
لكن، على الرغم من أن شركة «إيروجت» نجحت في مزاولة عملها بسهولة في واشنطن، فإنها لم تنجح في هذا الأمر بنفس السرعة في المصارف المحلية؛ فعلى غرار ما حدث لشركة «ريأكشن موتورز»، كانت «إيروجت» في حاجة إلى رأس مال عامل. ومثلما حدث مع هذه الشركة في نيو جيرسي، كان المصرفيون في لوس أنجلوس ينظرون إلى علم الصواريخ باعتباره نشاطا مشكوكا في نتيجته؛ مما يصعب معه تبرير فتح خط ائتمان له. عالج هيلي هذه المشكلة أيضا؛ إذ كان مكتب المحاماة الخاص به يضم وكلاء مثل شركة «جنرال تاير آند رابر» الكائنة في مدينة أكرون بولاية أوهايو، وكان هيلي يعلم باهتمام مسئوليها بعمليات الاستحواذ؛ فرتب هيلي لشراء شركته من قبل هذه الشركة ودمجهما في كيان واحد. وواصلت شركة «هيلي» عملها تحت اسمها الجديد، الذي صار الآن «إيروجت جنرال».
بحلول ذلك الوقت، كان طاقم عمل فون كارمان من جماعة المهتمين بالصواريخ يدير مكتبا هندسيا في معرض سيارات باسادينا، الذي كان عبارة عن مصنع إنتاج في مدينة أزوسا القريبة، فضلا عن منشآت بحثية في أرويو سكو. وكان الوصول إلى أرويو يتم من خلال السيارة؛ حيث كان المرء يقود سيارته في طريق ترابي تغسله المياه عند هطول الأمطار، وإذا وصل المرء إلى هناك، فإنه يجد حفرا اختبارية للصواريخ تحدها عوارض سكك حديدية. وأشار أحد الموظفين إلى أن الممرات في المكتب ضيقة على نحو «يجعلك عرضة لأن تفقد أسنانك» إذا فتح أحدهم بابا أثناء سيرك في أحد الأروقة. لكن على الرغم من أن هذه المنشآت قد بنيت في عجالة أثناء الحرب، فإن أهميتها سرعان ما تزايدت.
Bog aan la aqoon