Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Noocyada
ساهمت أبحاث جودارد المبكرة في تطوير أداء صواريخ الوقود الصلب على نحو بالغ؛ فقد اتجه جودارد إلى استخدام الوقود السائل، وفي مارس 1926 أطلق أول صاروخ وقود سائل في العالم، قبل خمس سنوات من تجربة الألمان، وقبل سبع سنوات من طرح طراز «09» الذي أطلقه كوروليف. وبلغ الصاروخ ارتفاع 184 قدما؛ احترق جزء من الفوهة، لكن هذه الرحلة القصيرة كانت كافية لإثبات أهمية ما قام به وتأكيد السبق له. لكن، من اللافت للنظر أن جودارد لم يصرح بأي بيان يعلن فيه عن هذه الرحلة.
كانت المنطقة التي أجرى فيها جودارد تجربة الإطلاق عبارة عن مزرعة فراولة في مدينة أوبرن القريبة، وهي مزرعة مملوكة لإحدى قريباته من بعيد وتدعى «العمة» إيفي وارد. كانت طويلة، ذات شعر رمادي تعقصه على هيئة كعكة؛ لم يسبق لها الزواج، وكان منزلها مليئا بالقطط، كما كانت تتمتع بروح نضرة، إذ كانت تستقبل جودارد بابتهاج وتسمح له بتخزين معداته في حظيرة دجاج خالية. كان مدير دائرة الإطفاء المحلية أقل ترحيبا؛ ففي أعقاب عملية إطلاق مشابهة لصاروخ آخر في عام 1929، صدرت الأوامر إلى جودارد بالتوقف عن إجراء تجاربه. وعثر جودارد بعد ذلك على موقع إطلاق آخر، في قاعدة فورت ديفنز التابعة للجيش؛ وبدعم من معهد سيمثونيان، حصل على تصريح لاستخدام هذا الموقع.
في تلك الأثناء، كان الطيار تشارلز لندبرج يصوغ أفكاره حول إطلاق رحلات فضائية باستخدام مركبات صاروخية، وكانت تجربة جودارد التي أجراها عام 1929 قد أحدثت حالة من الاهتمام الجماهيري القصير الأجل، وهو أمر لاحظه لندبرج نفسه. وبعدها بفترة وجيزة، أخبر جودارد زوجته: «تلقيت مكالمة مشوقة من تشارلز لندبرج.» فأجابته قائلة: «بالطبع، بوب. وأنا أيضا تناولت الشاي مع ماري ، ملكة رومانيا.»
سرعان ما قاد لندبرج جودارد إلى هاري جوجنهايم، وهو وريث ثروة في مجال صناعة النحاس ومدير مؤسسة كانت لها جهودها النشطة في الترويج للأبحاث الجديدة في علم الطيران، وسمح الدعم الذي أسفرت عنه هذه العلاقة لجودارد بترك جامعة كلارك وإقامة برنامج جاد لأبحاث الصواريخ في نيو مكسيكو؛ حيث كانت توجد وفرة من الأراضي، فضلا عن الخصوصية التي كان يتطلع إليها. وكان جودارد يعمل بمفرده باستثناء مساعدة زوجته إستر ومجموعة صغيرة من الميكانيكيين الذين سبق أن عملوا معه في ماساتشوستس. وعلى الرغم من هذا الدعم الهزيل، استطاع جودارد أن يقطع شوطا كبيرا في أبحاثه.
كان أول نجاح مهم حققه في ديسمبر 1930، عندما انطلق صاروخ بسرعة 500 ميل في الساعة، وهو ما كان يفوق سرعة أي طائرة في ذلك الوقت، وبلغ ارتفاع 2000 قدم. ولم يستخدم أي أجهزة تبريد في محرك الصاروخ، بل كان الاعتماد عوضا عن ذلك على بطانة داخلية من الخزف مقاومة للحرارة. بالإضافة إلى ذلك، لم يتضمن الصاروخ أي نظام توجيه؛ حيث اعتمد في تسارعه في البداية على انطلاقه على طول قضبان حديدية داخل برج إطلاق، ثم على زعانف لإعطائه ثباتا كثبات السهم عند انطلاقه في الهواء. وفي الجولة التالية من تجاربه، أضاف جودارد نظام تبريد وبوصلة توجيه جيروسكوبية.
كان نظام توجيه جودارد يستبق في ميزاته التصميمات الألمانية اللاحقة؛ حيث كان يستخدم بوصلة لاستشعار الانحرافات عن المحور الرأسي، مصححا إياها من خلال غمس الأرياش المقاومة للحرارة في عادم الصاروخ. وكانت هذه الأرياش تستعيد حركة الصاروخ في مساره الرأسي بعد تبديد العادم. ولتبريد المحرك، استبق جودارد أبحاث فالتر ثيل الألماني باختراع نظام التبريد الغشائي؛ ومن خلال هذه الإضافات، بلغ صاروخ جودارد ارتفاع 7500 قدم في عام 1935، وعلقت إستر على ذلك بقولها: «كان الأمر يشبه سمكة تسبح عبر الماء لأعلى.»
حتى ذلك الحين، كان جودارد قد ضغط خزانات الوقود الدفعي لتغذية محركات الصواريخ. وفي أثناء بحثه عن وسيلة لبناء صواريخ كبيرة حقا، طور جودارد مضخات توربينية خفيفة الوزن استبقت مجددا النماذج الألمانية ، كما بدأ في بناء محرك يستخدم نظام التبريد الغشائي ويبلغ حجمه ضعف حجم المحرك الأول، وقوة دفعه 700 رطل. ولم ينجح تماما في مسعاه؛ إذ مال أفضل صاروخ أطلقه في أغسطس 1940 على الفور بعد انطلاقه، وتحطم على الأرض على مسافة 400 قدم فقط. وبعد ذلك، بعدما دخلت الولايات المتحدة الحرب، ترك جودارد نيو مكسيكو للانضمام إلى مشروع صواريخ في سلاح البحرية في أنابوليس.
يقول رئيسه، روبرت ترواكس، الذي بدأ العمل على مشروع الصواريخ الخاص بالبحرية بعد تلقيه تفويضا من الأكاديمية البحرية بذلك: «كان في مقدوره دائما أن يجعلنا ننصت إليه في اهتمام بالغ، لكنه لم يكن يتحدث عن الصواريخ مطلقا؛ وأعتقد أنه كان يخشى أن يسرق أحد أفكاره. ولم تكن الأدوات التي استعان بها جيدة. كان فيزيائيا؛ ومن ثم كانت قدرته على أداء الأعمال الهندسية محدودة للغاية، ولم تكن تعوزه الرؤية بكل تأكيد، وما من شيء تقريبا جرى تطويره بنجاح لاحقا إلا وكان لجودارد السبق في تجربته، ولو لمرة واحدة على الأقل، لكنه كان شخصا شديد العزلة. وفشل مرة تلو مرة، حتى إنني مندهش من نجاحه في إطلاق صاروخ من برج الإطلاق.»
1
لكن، على الرغم من أنه لم تكن لديه سوى ورشة ماكينات متواضعة استعان بها في تجاربه، فإن نتائج تجاربه كانت تضاهي أفضل النتائج التي توصل إليها فيرماخت في ألمانيا قبل عام 1942؛ فقد بلغ ارتفاع صاروخه في عام 1940 اثنتين وعشرين قدما؛ مما وضعه في فئة واحدة مع صاروخي فون براون «إيه-3» و«إيه-5». وكان نظام التوجيه الذي وضعه أبسط إلى حد كبير؛ إذ لم يكن يتطلب سوى الحفاظ على مسار رأسي. وعلى النقيض من ذلك، ركزت الجهود الألمانية على تصميم نظام توجيه يعمل عبر مسار محسوب بدقة يستهدف هدفا مثل لندن. ونجح جودارد مرارا في إطلاق رحلات موجهة خلال عام 1935، بينما فشل فون براون مرارا في إطلاق صاروخ «إيه-3» الموجه في أواخر عام 1937. بالإضافة إلى ذلك، نجحت الرحلات التي قام بها جودارد عام 1935 في استخدام محركات تعمل بنظام التبريد الغشائي، بينما كان صاروخا «إيه-3» و«إيه-5» اللاحقان يعتمدان اعتمادا كاملا على نظام التبريد الاسترجاعي، وهو ما كان أسهل في تطويره لكن نطاق استخدامه كان محدودا في الصاروخ «في-2» الأكبر حجما. ومن خلال استخدام المضخات التوربينية عوضا عن الخزانات المضغوطة، أدخل جودارد ميزة متطورة لم يكن الألمان يستخدمونها إلا مع الصاروخ «في-2» نفسه.
Bog aan la aqoon