Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Noocyada
بلغت محطات بحثية أخرى مدارا فضائيا، والتحمت أيضا بالمحطة «مير»، وكان من بين هذه المحطات البحثية مركبة «كفانت» ثانية في ديسمبر 1989، ثم المركبة «كريستال» في يونيو 1990، لإجراء دراسات في انعدام الجاذبية على علم المعادن والنمو البلوري. بينما كانت المركبة «سويوز» ملتحمة بوصلة مهايئ الالتحام، والمركبة «بروجرس» جاهزة لإجراء زيارة، شكلت «مير» مجموعة من ستة أقسام رئيسية، كان الكثير منها يشتمل على ألواح شمسية يمكن بسطها على مساحات واسعة. لم يهمل أيضا رواد الفضاء على متن «مير» سجلات رحلتهم الطويلة. في ديسمبر 1988، عاد فلاديمير تيتوف وموسا ماناروف بسلامة بعد قضاء عام كامل في الفضاء، وكانا أول من يفعل ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، كان فالنتين جلشكو، الذي ظل رائدا لتصميم محركات الصواريخ في البلاد لفترة طويلة، قد واصل بكامل طاقته اهتمامه بالوقود الدفعي العالي الطاقة. تفوقت وجهة نظره على وجهة نظر غريمه فاسيلي ميشن، خليفة كوروليف. مع إلغاء الصاروخ «إن-1» القمري، صمم جلشكو مركبة تحمل أوزانا ثقيلة جمعت الكثير من أفضل ميزات «ساتورن 5» والمكوك الفضائي. في حقيقة الأمر، استطاعت أن تلعب كلا الدورين.
كانت المركبة تشبه كثيرا المكوك الفضائي في مظهرها العام، لكن كانت بينهما فروق مهمة؛ فالمكوك الفضائي كان يعتمد على صواريخ تعزيز ذات وقود صلب؛ وهو ما أفضى إلى مأساة «تشالنجر»، وبالإضافة إلى ذلك، كان المكوك الفضائي يضع محركاته الرئيسية في مؤخرة المركبة المدارية الشبيهة بالطائرة. لم يستخدم جلشكو أيا من صواريخ التعزيز ذات الوقود الصلب، وبدلا من ذلك، اعتمد على وحدات مزودة بالوقود السائل ذات موثوقية مؤكدة. بالإضافة إلى ذلك، وضع محركاته الرئيسية عند قاعدة خزان الوقود، وليس على المركبة المدارية، وهو ما كان يعني أن الصاروخ يمكنه الطيران دون المركبة المدارية، كمركبة إطلاق قائمة بذاتها.
كان هذا هو الصاروخ إنرجيا. انطلق الصاروخ من تيوراتام في مايو 1987، بينما كانت ناسا لا تزال في حالة ركود؛ وسجلت رقما عالميا بحمولة 220 ألف رطل تقريبا، بما يعادل مائة طن متري. فاقت هذه الحمولة كل الحمولات التي حملها الصاروخ «ساتورن 5» على الإطلاق، وكان الهيدروجين السائل هو الوقود الذي جعل الأمر ممكنا. كانت مركبته الفضائية، المسماة «بوليوس» (أي قطب)، عبارة عن نموذج أولي من محطة حربية مدارية مزودة بليزر قوي. لسوء الحظ، لم يتمكن نظام التحكم الخاص بالمركبة من بلوغ الاتجاه الصحيح، وأشعلت محركها الصاروخي في الاتجاه الخطأ. لم تتمكن «بوليوس» من بلوغ المدار الفضائي، حيث احترقت عن آخرها في الجو فوق المحيط الهادئ؛ لكن كان من المقرر أن ينطلق «إنرجيا » مجددا.
حدث ذلك في نوفمبر 1988، عندما حمل «إنرجيا» المركبة المدارية السوفييتية الشبيهة بالمكوك الفضائي في رحلة تجريبية غير مأهولة؛ كانت هذه هي المركبة المدارية «بوران» (أي عاصفة ثلجية). كانت تشبه كثيرا نظيرتها الأمريكية، من حيث حجمها وشكل أجنحتها وغرفة بضائعها، على الرغم من عدم احتوائها على محركات رئيسية خاصة بها، وبلغت مدارا فضائيا من خلال محركات «إنرجيا ». حلقت «بوران» في مدارين فضائيين، ثم نفذت عملية هبوط آلي على الرغم من الرياح العاتية، باستخدام كمبيوتر متطور على متن المركبة.
على الرغم من ذلك، على غرار الألوان البراقة لغروب الشمس التي تنبئ بحلول الظلام، اتضح أن هذه الموجة العارمة من الإنجازات السوفييتية ما هي إلا مقدمة لتراجع كبير في مجال الفضاء. كان من الواضح أن «بوران» مصممة لخدمة أغراض «مير»، وكان نموذج المركبة «كريستال» يتضمن فتحة التحام مخصصة للاستخدام من قبل ذلك المكوك الفضائي؛ لكن «مير» و«كريستال» و«إنرجيا» و«بوران» وكثير غيرها، وجدت نفسها حبيسة الكارثة الاقتصادية التي أعقبت سقوط الشيوعية في أغسطس 1991.
يجب عدم القول بأن هذه الثورة الروسية الثانية أحلت الشيوعية محل الرأسمالية، بل الأنسب هو وصفها بأنها إسقاط لنظام سلطوي حافظ على النظام العام، في صالح تنظيم فوضوي لم تكن الممارسات الراسخة لتستطيع الصمود أمامه. أدى التضخم المفرط إلى خفض سعر الروبل إلى واحد على الألف من قيمته السابقة. انتشرت جرائم العنف، في مجتمع كان قد حقق مستوى مرتفعا من الأمن العام. حقق مسئولو الحزب السابقين ثروات باستغلال صلاتهم، بينما كان العمال يكافحون من أجل الحصول على ما يساوي بضعة دولارات شهريا. تراجع الإنتاج الصناعي تراجعا هائلا، على نحو لم يشهد إلا نادرا منذ الكساد العظيم.
استمر برنامج الفضاء لفترة بإيقاعه المعهود، غالبا من خلال استخدام احتياطي من مركبات الإطلاق والمركبات الفضائية، لكن سرعان ما بدأت الاستقطاعات الكبرى في الميزانية؛ ففي عام 1992، تلقى برنامج الفضاء العسكري نصف التمويل الذي تلقاه خلال عامي 1990 و1991، بينما بلغت الاستقطاعات في البرنامج المدني ثلثي مستواها السابق. تم تخصيص نموذجين جديدين كمركبتين إضافيتين تلحقان بالمركبة «مير»، ألا وهما «سبكتر» «وبريرودا» (أي «طيف» و«طبيعة»)، اللتان كانتا مخصصتين للاستخدام في دراسات حول سطح الأرض وبيئتها. تأجل موعد إطلاق المركبتين إلى أجل غير معلوم، لم ينطلقا حتى عامي 1995 و1996.
مع ذلك، احتفظ المسئولون الروس ببعض الأموال لمواصلة مشروع «بوران». توقع يوري سيمينوف - رئيس مؤسسة كوروليف - عملية إطلاق جديدة في عام 1993، لكن خلال ذلك العام، في ظل استمرار خفض الميزانيات، ألغي كل من «بوران» و«إنرجيا». انتهى المطاف بنموذج «بوران» الكامل، الذي استخدم في اختبارات إنشائية وهندسية، في متنزه جوركي للعرض أمام الجمهور، على نحو لا يختلف كثيرا عن عجلة ملاه دوارة.
في عام 1995 انخفض تمويل برنامج الفضاء العسكري إلى 10 في المائة من تمويله في عام 1989، وانخفض البرنامج المدني إلى 20 في المائة؛ أي حوالي 400 مليون دولار أمريكي بسعر الصرف السائد وقتها. على النقيض من ذلك، تلقت ناسا حوالي 14 مليار دولار أمريكي في عام 1995. خلال ذلك العام، أجرت روسيا اثنتين وثلاثين عملية إطلاق فضائي فقط، وهو أقل عدد من عمليات الإطلاق منذ عام 1964، وانخفض الإجمالي مجددا في عام 1996، إلى ثلاث وعشرين عملية إطلاق فقط، وفي عام 1990، بلغ الإجمالي خمسا وسبعين. حذر مديرو البرنامج المدني والبرنامج العسكري في روسيا من أنه في حال عدم زيادة التمويل، ربما ينتهي برنامج الفضاء برمته في غضون عامين أو ثلاثة أعوام.
Bog aan la aqoon