Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Noocyada
كان مختبر لانجلي للبحوث الفضائية التابع للجنة الاستشارية الوطنية للملاحة الفضائية، قرب نورفولك بولاية فرجينيا، يمثل مركزا ثالثا للاهتمام برحلات الفضاء المأهولة. كان المختبر قد لعب دورا فاعلا في استخدام أنفاق الرياح العالية السرعة لتطوير أشكال محددة من مقدمات الصواريخ المخروطية، وشكل تصميم كبسولة قابلة للاسترجاع لرائد فضاء امتدادا طبيعيا لهذه الجهود. أخذ خبير ديناميكا الهواء ماكسيم فاجت بزمام المبادرة؛ حيث سعى إلى تصميم شكل يحافظ على ثبات الصاروخ واستقراره أثناء عملية ولوج المجال الجوي، وقلل من ارتفاع حرارة الكبسولة مع توفير مساحة للإنزال بالمظلات. كان التصميم الذي انتهت إليه عمليات التطوير يتضمن مقدمة مخروطية مقطوعة ذات درع حراري واضح منحن قليلا. من خلال بعض التعديلات البسيطة، ظل هذا الشكل الأساسي شائعا في الولايات المتحدة حتى ظهر المكوك الفضائي.
صارت مشروعات «آدم» و«مان أون سبيس سونيست» وكبسولة «فاجر» عناصر رئيسية في مشروع «ميركوري»، وهو أول مشروع لرحلات الفضاء المأهولة. كانت القوات الجوية ترغب في إدارة مشروع كهذا، وكان لديها النفوذ السياسي الذي يؤهلها للاستحواذ على إدارة المشروع والتفوق على ناسا التي كانت لا تزال وكالة جديدة ومحدودة الإمكانيات. بيد أن آيك نفسه قرر أن ناسا هي من ستتولى إدارة البرنامج، وهو قرار يفصح عن الكثير من الأهمية الحقيقية لرحلات الفضاء المأهولة؛ ويرجع هذا إلى حقيقة أن القوات الجوية لم يكن لديها سبب حقيقي لإرسال رواد فضاء إلى مدار فضائي، وهي حقيقة واضحة تماما كوضوح الدرع الحراري للصاروخ «ميركوري».
لو أن مفهوم «فن الملاحة الجوية وعلم الطيران» المحتفى به كان يتضمن معنى حقيقيا، إذن فربما كان شريفر سيتمكن من تقديم مقترح قمر صناعي استطلاعي مأهول، على غرار القمر «يو-2» المداري. في حقيقة الأمر، حتى دراسات مؤسسة «راند» المبكرة كانت قد تنبأت بإطلاق بعثات تدار آليا. نتيجة لذلك، تبين أن قرار آيك كان نسخة طبق الأصل من قرار عام 1955، الذي فضل اختيار الصاروخ «فانجارد» عن المركبة المدارية التابعة للجيش لتوفير غطاء للقمر «دبليو إس-117إل».
كان اختيار «فانجارد» عام 1955، واختيار ناسا مديرا لمشروع «ميركوري» عام 1958، يؤكدان على صورة سلمية وغير عسكرية لرحلات الفضاء. مع ذلك، كان قرار عام 1955 يتضمن ميزة حقيقية، حيث قدم دعما فعالا للقمر «دبليو إس-117إل»، الذي كانت ثمة حاجة أساسية إليه. لكن، في المقابل، لم يكن قرار عام 1958 يتضمن هذه الميزة العملية؛ لأنه إذا لم تكن لدى القوات الجوية متطلبات حقيقية لإرسال رواد إلى مدار فضائي، فإن متطلبات ناسا في هذا الصدد أقل منها.
مع صعود نجم أقمار «سبوتنيك»، تضاءل في واشنطن عدد من يرون الأمور من هذا المنظور خلال عام 1958. إذا كان مشروع «ميركوري» لا يتضمن ميزة كبيرة فيما يتعلق بما يمكن أن يقوم به رواد الفضاء، فإنه مشروع غاية في الأهمية من وجهة النظر السياسية. لعل التشديد على أهمية المشروع يرجع في الأساس إلى الرغبة في إظهار التفوق الأمريكي في مجال الفضاء، لكن المشروع كان يقدم تطمينات على الأقل. في ظل النظر إلى الفضاء باعتباره مسألة مهمة لا جدال فيها، وتحول التصورات في حقيقة الأمر إلى واقع، منح الرأي العام آيزنهاور سببا كافيا لاتخاذ خطوات فعلية. لم يكن آيزنهاور يسعى إلى خوض سباق نحو الفضاء، وكان يأمل في تجنبه، لكن الأحداث أرغمته على ذلك.
سرعان ما برز رواد الفضاء، في حقيقة الأمر، بوصفهم محور تركيز المشروع. قرر آيك نفسه أن يكون رواد الفضاء طياري اختبارات عسكرية يحملون مؤهلات جامعية. منذ البداية، كانت هذه الخطة تعني أن طياري الفضاء السلميين في ناسا كان سيجري إخفاء هوياتهم ومنحهم هويات مدنية بديلة، بنفس الطريقة تقريبا التي كانت تخفى بها طبيعة أقمار «يو-2» التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية. بالإضافة إلى ذلك، أدى هذا المعيار على الفور إلى استبعاد عدد من أفضل العناصر، من بينهم تشاك ياجر وبيل بريدجمان وسكوت كروسفيلد.
كان ياجر يبلغ أربعة وعشرين عاما في عام 1947، عندما اخترق حاجز الصوت. وبعد أقل من اثني عشر عاما، كانت حدود الطيران قد تطورت من الطيران في الجو بسرعة 1 ماخ إلى الطيران في مدار فضائي بسرعة 25 ماخ. وكان ياجر يتمتع بصحة جيدة، وكان في ريعان شبابه أيضا، لكنه لم يلتحق قط بالجامعة، وهذا ما جعله مستبعدا. أما بريدجمان، فقد سجل أرقاما قياسية في السرعة والارتفاع في دوجلاس سكايروكت، وكان يعيش مستمتعا بوقته على شاطئ ماليبو في الأوقات التي لم يكن يقود فيها طائرات نفاثة، لكنه كان قد تخطى عامه الأربعين، وهو ما جعله أكبر سنا مما ينبغي. وأخيرا كروسفيلد، الذي كان أول طيار يبلغ سرعة 2 ماخ، وكان يتدرب آنذاك على قيادة «إكس-15»، لكنه كان مدنيا، وهو ما جعله مستبعدا أيضا.
مع ذلك، لم يكن أي شخص شديد الحياء يصلح لأن يصبح رائد فضاء «ميركوري»؛ إذ كان عالم رواد الفضاء مليئا بمصادر الخطر المهددة للحياة. في البحرية، كان هذا يتضمن عمليات إطلاق بمساعدة مراجم على حاملة طائرات، مراجم قد تفقد قوة دفعها في أية لحظة. وفي كثير من الأحيان، كانت الطائرات تسقط فوق مقدمات حاملات الطائرات ثم في البحر، بينما تهرع سفينة خلفها لاسترجاعها. كانت ثمة عمليات هبوط ليلية أيضا؛ حيث يقترب الطيار من سطح حاملة طائرات تتأرجح يمنة ويسرة وإلى الأمام وإلى الخلف في الظلام. كان عامل إشارات يقف قرب مؤخرة الحاملة، يراقب الطائرة الآخذة في الهبوط ويلوح للطيار بإشارات مستخدما الكشافات الضوئية إذا لم تكن عملية الهبوط تسير على نحو سليم. كان الطيار يستطيع رؤية عامل الإشارات بوضوح على مسافة خمسمائة قدم، وكانت الطائرة تقطع المسافة في ثلاث ثوان. وإذا لم يكن هذا كافيا لتأمين سلامة الطيار، كانت البحرية توفر بوالص تأمين على الحياة بمبالغ قيمة.
كان لمقاتلي القوات الجوية عاداتهم الغريبة؛ فقد يقود أحد الطيارين طائرته على الممر استعدادا للإقلاع، متجاوزا نقطة كان يمكن وقف الإقلاع عندها، ثم فجأة يرى إشارة ضوئية للتحذير من الحريق. بالنظر إلى حمولة الكيروسين القابل للاشتعال في الطائرة النفاثة، قد تنفجر الطائرة في أي لحظة، ومن ثم يجذب الطيار حبلا وتطلق شحنة من النتروجليسرين مقعد الطيار إلى أعلى، وهو ما يسمح للطيار بإنقاذ حياته باستخدام مظلة؛ ذلك إذا لم يكن الطيار يقود طائرة طراز «إف-104 إيه»، التي ينطلق مقعدها «إلى أسفل».
كان مقعد النجاة هذا سببا في أن فقد واحد من أكفأ طياري الاختبارات في البلاد، ويدعى آيفن كينشلوي، حياته. كان كينشلوي قد بلغ ارتفاع 126 ألف قدم في طائرة طراز «إكس-2» في عام 1956، وهو ارتفاع كان يسمح برؤية المنطقة الواقعة من باجا كاليفورنيا إلى سان فرانسيسكو بوضوح. لكن لم يحالفه الحظ بعدها بعامين، بعد إقلاعه مباشرة؛ إذ حاول أن يدور بالطائرة طراز «إف-104 إيه» التي كان يقودها بحيث يستطيع الارتفاع إلى السماء، لكن لم يفلح. وتكريما له، أطلقت القوات الجوية اسمه على إحدى القواعد في ميشيجان.
Bog aan la aqoon