Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Noocyada
أرسل بسل طائرة وهليكوبتر، بينما شارك السكان المحليون في عملية البحث بحماس بالغ. قال أحد السكان: «لا يجد الناس هنا كثيرا مما يمكنهم فعله؛ لذا تلقى عملية البحث هذه ترحيبا كبيرا.» ولكن، كل ما عثر عليه هو آثار لأحذية تزلج على الجليد، وربما كانت هذه آثار أقدام الروس؛ إذ كان سكان الجزيرة من النرويجيين يستخدمون الزلاجات عادة. ألهمت هذه الحادثة لاحقا الروائي ألستر ماكلين عندما كتب روايته «حمار وحشي في محطة الثلج». لكن، كان مبعث الراحة الوحيد بالنسبة إلى وكالة الاستخبارات المركزية؛ هو أن «ديسكفرر 2» لم تكن تحمل على الأقل معدات تصوير.
كان هذا أقرب ما يكون من النجاح الذي حققه البرنامج خلال الأشهر الستة عشر المقبلة؛ فمن بين محاولات الإطلاق العشر لمركبات «ديسكفرر»، لم تنجح إلا خمس فقط في بلوغ مدار. وكانت جميع المركبات تتصرف على نحو غريب، واتخذ أحد الصواريخ الكابحة اتجاها خاطئا؛ فبدلا من الهبوط من الفضاء، انتهى به المطاف صاعدا إلى مدار أعلى. وفي محاولة إطلاق أخرى، عجز الصاروخ عن الانطلاق تماما. وأفضت مشكلة كهربية إلى سقوط صاروخ آخر سدى، بينما لم تعمل الكاميرات في ثلاث بعثات خلال المدار الأول أو الثاني. وحقق الصاروخ «ديسكفرر 8» عمليات ولوج مقبولة إلى المجال الجوي، غير أن مظلة كبسولته لم تفتح؛ فاصطدم بمياه المحيط وغاص فيه.
بعد عملية الإطلاق هذه، في نوفمبر، علق بسل إجراء المزيد من عمليات الإطلاق، بينما حاول أن يعيد تقييم عمليات الإطلاق. وقال لاحقا: «كانت مسألة مخيبة للآمال إلى أقصى حد. وفي حالة إطلاق قمر استطلاع، كان المرء يطلق القمر ثم يجري مجموعة قياسات عن بعد، ولا يعود القمر مرة أخرى. فلا توجد معدات. يختفي القمر إلى الأبد، ويضطر المرء إلى تخمين ما جرى من خلال البيانات التي جرى إرسالها؛ ثم تجرى الإصلاحات اللازمة، وإذا لم يفلح الأمر مرة أخرى يدرك المرء أن ثمة خطأ في استنتاجاته. وفي حالة الصاروخ «كورونا»، كان الأمر يتكرر مرارا وتكرارا.»
16
في تلك الأثناء، كان كوروليف يمضي قدما في عمليات إطلاق الصاروخ «آر-7» كصاروخ باليستي عابر للقارات؛ حيث كانت تجرى عملية إطلاق تجريبية مرة كل أسبوع في دلالة واضحة على الاستعداد العسكري. وفي يناير 1960، أطلق كوروليف صاروخي «آر-7» في مسارات بعيدة المدى بلغت منتصف المحيط الهادئ، وأعلن الكرملين وقتها عن جاهزية هذا الصاروخ. وخلال هذا الشهر أيضا، أجريت مناقشات في واشنطن استجابة إلى تقديرات استخباراتية جديدة، كانت تتوقع أن تمتلك موسكو ما يصل إلى 450 صاروخا باليستيا في منتصف عام 1963؛ وهو ما كان يزيد بمقدار الضعف عن القوة التي كانت أمريكا تتوقعها، وهو أمر مخيف بما يكفي، لكن ما أثار الشكوك هو أن التقدير الأخير قدم أرقاما أقل كثيرا عن التقديرات السابقة. وتساءل عضوا الكونجرس ستيوارت سايمونتن وليندون جونسون عن احتمالية أن تكون الأرقام التي قدمها آيك مبالغا فيها، في محاولة منهما لتقليل التهديد الواضح خلال عام انتخابي. وبدا من الضروري الحصول على صور جديدة من الصاروخ «يو-2»، ووافق آيك على رحلات الانطلاق.
ثم في أول مايو، أسقط صاروخ أرض جو القمر «يو-2» قرب سفيردلوفسك، وأعرب خروتشوف - الذي كان يأمل أن يمتلك الاتحاد السوفييتي قمرا كهذا - عن صدمته عندما اكتشف أن الأمريكيين كانوا يتجسسون عليه. وانسحب خروتشوف فجأة من اجتماع كان مقررا مع آيزنهاور في باريس، وبعد افتضاح أمر القمر بما جعله معرضا للإسقاط بواسطة الصواريخ السوفييتية، لم يرسل القمر «يو-2» مجددا في أية مهمة فوق الاتحاد السوفييتي؛ ومن ثم، لم يكن أمام بسل سوى الاعتماد على أقمار الاستطلاع فقط الموجودة لديه.
تبين أن ثمة حلا لمشكلة الكاميرا. كان الفيلم يحتوي على قاعدة أسيتات، وكان يتعرض للتمزق أو الكسر عند وجوده في الفراغ؛ مما يؤدي إلى تعطل الكاميرا وتوقفها عن العمل. ابتكرت شركة «إيستمان كوداك» قاعدة بوليستر، نجحت في التغلب على هذه المشكلة. وبالإضافة إلى ذلك، كانت درجة الحرارة في الأقمار الصناعية تنخفض بشدة وتصير باردة للغاية؛ مما يحول دون عمل البطاريات، ولكن الطلاء الأسود ساعد في امتصاص ضوء الشمس وجعلها أدفأ. ولضمان عدم إغفال أي شيء، وضع بسل مزيدا من المعدات على متن مركبته، لترسل بيانات وتقارير عن تفاصيل الرحلة.
وحان بعد ذلك إطلاق المركبة التالية التي بلغت مدارا، وهي «ديسكفرر 11». عملت الكاميرات الموجودة على متن هذه المركبة، وكذلك البطاريات، على نحو جيد، لكن الصواريخ الصغيرة المسئولة عن التحكم في الاتجاه - التي كان من المفترض أن توجه الصاروخ في الاتجاه الصحيح لمعاودة الولوج إلى المجال الجوي - لم تعمل، واختفت كبسولاتها إلى الأبد. استخدم بسل الصواريخ بدلا من المحركات النفاثة الغازية التي كانت تستخدم النيتروجين المضغوط وتخلص من معدات التصوير لإفساح المكان لوضع مزيد من المعدات الأخرى.
في أغسطس، كان «ديسكفرر 13» هو الأوفر حظا. جهز موس ماثيسون طائرة لسحب الصاروخ عن طريق الإمساك بمظلته، لكن السحب الكثيفة حالت دون ذلك. ولكن الأمر مر بسلام، فقد اصطدم الصاروخ بالماء وطفا على سطحه، ناقلا إشارة لاسلكية، وأطلق صبغة فستقية اللون (ما بين الأصفر والأخضر)، وأومض بضوء كضوء الفلاش. وبعدها بثلاث ساعات، وصلت هليكوبتر على متن سفينة واستطاع أحد السباحين استرجاع الصاروخ. وفي ضوء هذه النتيجة المشجعة، سمح بسل بإطلاق «ديسكفرر 14» وعلى متنه الكاميرا الخاصة به. واسترجعت كبسولة «ديسكفرر 14» أيضا بنجاح يوم 19 أغسطس، ولكن هذه المرة أثناء تحليقها في الهواء.
وسرعان ما وصل فيلم «ديسكفرر 14» إلى مركز تحليل الصور في وكالة الاستخبارات المركزية؛ حيث اجتمع محللو الصور في صالة عرض، وأخبرهم مدير المركز، آرثر لوندال، أنه سيحدثهم عن «شيء جديد وعظيم حصلنا عليه هنا»، ثم عرض نائبه خريطة للاتحاد السوفييتي. وكانت هذه الخرائط تعرض في السابق خطا رفيعا وحيدا للإشارة إلى مسار أحد أقمار «يو-2»، أما الخريطة المعروضة هذه المرة، فكانت تعرض ثمانية خطوط عريضة تمر من الشمال إلى الجنوب عبر الاتحاد السوفييتي وشرق أوروبا؛ حيث تغطي ما يربو عن خمس المساحة الإجمالية. وهذه الخطوط كانت تمثل المناطق التي التقط هذا القمر صورا لها، فأطلق الجميع صيحات حماسية مدوية. وبدت بعض الصور ضبابية بسبب الشحنات الكهروستاتيكية، لكن دقة الوضوح كانت تتراوح بين عشرين وثلاثين قدما، وهي نسبة وصفها المحللون بأنها تماثل النطاق «جيد إلى جيد جدا». ولا شك أنها كانت نقطة تحول هائلة.
Bog aan la aqoon