بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن برحمتك الحمد لله الذي اصطفى محمدا لرسالته، واختاره على علم للأداء عنه، وفضله على كافة خليقته، وجعله قدوة في الدين، ورحمة للعالمين، وعصمه من الزلات، وبرأه من السيئات، وحرسه من الشبهات، وأكمل له الفضل، ورفعه في أعلى الدرجات، صلى الله عليه وآله الذين بمودتهم تتم الصالحات وسلم.
وبعد: فقد وقفت أيها الأخ - وفقك الله لمياسير (1) الأمور، ووقانا وإياك المحذور (2) - على ما كتبت به في معنى ما وجدته لبعض مشايخك،
Bogga 17
بسنده إلى الحسن بن محبوب (1)، عن الرباطي (2)، عن سعيد الأعرج (3)، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، فيما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله من السهو في الصلاة، والنوم عنها حتى خرج وقتها.
فإن الشيخ (4) الذي ذكرته زعم أن الغلاة تنكر ذلك وتقول: " لو جاز
Bogga 18
أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ، لأن الصلاة عليه فريضة، كما أن التبليغ عليه فريضة ".
فرد هذا القول، بأن قال: " لا يلزمنا ذلك من قبل أن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي ما يقع على غيره منها، وهو متعبد بالصلاة كغيره من أمته، وليس من سواه بنبي، والحالة التي اختص بها هي النبوة، والتبليغ من شرائطها، فلا يجوز أن يقع عليه [في التبليغ] سهو، والصلاة عبادة مشتركة، وبهذا تثبت له العبودية على زعمه، وبإثبات النوم عن خدمة ربه عز اسمه من غير إرادة له وقصد إليه، نفي الربوبية عنه بأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم.
وقال: سهو النبي ليس كسهونا، لأن سهوه من الله، وإنما أسهاه ليعلم أنه مخلوق بشر، لا يتخذ ربا معبودا من دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا.
قال: وسهونا هو من الشيطان، وليس للشيطان على النبي والأئمة سلطان في <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/16/100" target="_blank" title="النحل: 100">﴿إنما سلطانه على الذين يتولونه، والذين هم به مشركون﴾</a> (1) وعلى من تبعه من الغاوين.
قال: والدافعون لسهو النبي، دعواهم أنه لم يك من الصحابة من يقال له: " ذو اليدين ". دعوى باطلة، لأن الرجل معروف، وهو أبو محمد، عمير بن عبد عمرو، المعروف بذي اليدين (2)، فقد نقل عنه المخالف والمؤالف.
Bogga 19
قال: وقد أخرجت عنه أخبارا في كتاب وصف قتال القاسطين بصفين.
ولو جاز رد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز رد جميع الأخبار، وفي ردها إبطال الدين والشريعة " (1).
وسألت - أعزك الله بطاعته - أن أثبت لك ما عندي فيما حكيته عن هذا الرجل، وأبين عن الحق في معناه، وأنا مجيبك إلى ذلك، والله الموفق للصواب.
إعلم، أن الذي حكيت عنه ما حكيت، مما قد أثبتناه، قد تكلف ما ليس من شأنه، فأبدى (2) بذلك عن نقصه في العلم وعجزه، ولو كان ممن وفق لرشده لما تعرض لما لا يحسنه، ولا هو من صناعته، ولا يهتدي إلى معرفة طريقه، لكن الهوى مود لصاحبه، نعوذ بالله من سلب التوفيق، ونسأله العصمة من الضلال، ونستهديه في سلوك منهج الحق، وواضح الطريق بمنه.
الحديث الذي روته الناصبة، والمقلدة من الشيعة أن النبي صلى الله عليه وآله سها في صلاته، فسلم في ركعتين ناسيا، فلما نبه على غلطه فيما صنع، أضاف إليها ركعتين، ثم سجد سجدتي السهو، (3) من أخبار
Bogga 20
الآحاد التي لا تثمر علما، ولا توجب عملا، ومن عمل على شئ منها فعلى الظن يعتمد في عمله بها دون اليقين، وقد نهى الله تعالى عن العمل على الظن في الدين، وحذر من القول فيه بغير علم ويقين.
فقال: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/2/169" target="_blank" title="البقرة: 169">﴿وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾</a> (١).
وقال: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/43/86" target="_blank" title="الزخرف: 86">﴿إلا من شهد بالحق وهم يعلمون﴾</a> (٢).
وقال: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (٣).
وقال: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/10/36" target="_blank" title="يونس: 36">﴿وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾</a> (٤).
وقال: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/6/116" target="_blank" title="الأنعام: 116">﴿إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون﴾</a> (5).
ومن أمثال ذلك في القرآن مما يتضمن الوعيد على القول في دين الله
Bogga 21
بغير علم، والذم والتهديد لم عمل فيه بالظن، واللوم له على ذلك، والخبر عنه بأنه مخالف الحق فيما استعمله في الشرع والدين.
وإذا كان الخبر بأن النبي صلى الله عليه وآله سها من أخبار الآحاد التي من عمل عليها كان بالظن عاملا، حرم الاعتقاد بصحته، ولم يجز القطع به، ووجب العدول عنه إلى ما يقتضيه اليقين من كماله (عليه السلام) وعصمته، وحراسة الله تعالى له من الخطأ في عمله، والتوفيق له فيما قال وعمل به من شريعته، وفي هذا القدر كفاية في إبطال مذهب من حكم على النبي (عليه السلام) بالسهو في صلاته، وبيان غلطه فيما تعلق به من الشبهات في ضلالته.
فصل على أنهم قد اختلفوا في الصلاة التي زعموا أنه (عليه السلام) سها فيها، فقال بعضهم هي الظهر. وقال بعض آخر منهم: بل كانت عشاء الآخرة.
واختلافهم في الصلاة ووقتها (1) دليل على وهن الحديث، وحجة في سقوطه، ووجوب ترك العمل به وإطراحه.
على أن في الخبر نفسه ما يدل على اختلاقه، وهو ما رووه من أن ذا
Bogga 22
اليدين قال للنبي (عليه السلام) لما سلم في الركعتين الأولتين من الصلاة الرباعية: أقصرت الصلاة يا رسول الله، أم نسيت؟ فقال على ما زعموا:
" كل ذلك لم يكن " (1).
فنفى صلى الله عليه وآله أن تكون الصلاة قصرت، ونفى أن يكون قدسها فيها.
فليس يجوز عندنا وعند الحشوية المجيزين عليه السهو، أن يكذب النبي (عليه السلام) متعمدا ولا ساهيا، وإذا كان قد أخبر أنه لم يسه، وكان صادقا في خبره، فقد ثبت كذب من أضاف إليه السهو، ووضح بطلان دعواه في ذلك بلا ارتياب.
فصل وقد تأول بعضهم ما حكوه عنه من قوله: " كل ذلك لم يكن " على ما يخرجه عن الكذب مع سهوه في الصلاة، بأن قالوا: إنه (عليه السلام) نفى أن يكون وقع الأمران معا، يريد أنه لم يجتمع قصر الصلاة والسهو، بل حصل أحدهما ووقع.
وهذا باطل من وجهين:
أحدهما: أنه لو كان أراد ذلك، لم يكن جوابا عن السؤال، والجواب عن غير السؤال لغو لا يجوز وقوعه من النبي صلى الله عليه وآله.
والثاني: أنه لو كان كما ادعوه، لكان (عليه السلام) ذاكرا به على
Bogga 23
غير اشتباه في معناه، لأنه قد أحاط علما بأن أحد الشيئين كان دون صاحبه، ولو كان كذلك لارتفع السهو الذي ادعوه، وكانت دعواهم له باطلة بلا ارتياب، ولم يكن أيضا مع تحقيقه وجود أحد الأمرين معنى لمسألته حين سأل عن قول ذي اليدين، هل هو على ما قال، أو على غير ما قال، لأن هذا السؤال يدل على اشتباه الأمر عليه فيما ادعاه ذو اليدين، ولا يصح وقوع مثله من متيقن لما كان في الحال.
فصل ومما يدل على بطلان الحديث أيضا اختلافهم في جبران الصلاة التي ادعوا السهو فيها، والبناء على ما مضى منها، أو الإعادة لها.
فأهل العراق يقولون: إنه أعاد الصلاة، لأنه تكلم فيها، والكلام في الصلاة يوجب الإعادة عندهم.
وأهل الحجاز ومن مال إلى قولهم، يزعمون: أنه بنى على ما مضى، ولم يعد شيئا قد تقضى، وسجد لسهوه سجدتين.
ومن تعلق بهذا الحديث من الشيعة يذهب فيه إلى مذهب أهل العراق، لأنه متضمن كلام النبي (عليه السلام) في الصلاة عمدا، و التفاته عن القبلة إلى من خلفه، وسؤاله عن حقيقة ما جرى، ولا يختلف فقهاؤهم في أن ذلك يوجب الإعادة.
والحديث يتضمن أن النبي (عليه السلام) بنى على ما مضى ولم وهذا الاختلاف الذي ذكرناه في هذا الحديث أدل دليل على بطلانه، وأوضح حجة في وضعه واختلاقه.
Bogga 24
فصل على أن الرواية له من طريقي الخاصة والعامة، كالرواية من الطريقين معا: أن النبي صلى الله عليه وآله سها في صلاة الفجر (١) وكان قد قرأ في الأولة منهما سورة النجم، حتى انتهى " إلى قوله: (أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى) (٢) فألقى الشيطان على لسانه (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى) ثم تنبه على سهوه فخر ساجدا، فسجد المسلمون، وكان سجودهم اقتداءا به. وأما المشركون فكان سجودهم سرورا بدخوله معهم في دينهم (٣ ).
قالوا: وفي ذلك أنزل الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/22/52" target="_blank" title="الحج: 52">﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته﴾</a> (4) يعنون في قراءته، واستشهدوا على ذلك ببيت من الشعر وهو:
تمنى كتاب الله يتلوه قائما * وأصبح ظمآنا وقد فاز قاريا (5)
Bogga 25
فصل وليس حديث سهو النبي صلى الله عليه وآله في الصلاة أشهر في الفريقين من روايتهم: أن يونس (عليه السلام) ظن أن الله تعالى يعجز عن الظفر به، ولا يقدر على التضييق عليه (١) وتأولوا قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/21/87" target="_blank" title="الأنبياء: 87">﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾</a> (2) على ما رووه واعتقدوه فيه.
وفي أكثر رواياتهم: أن داود (عليه السلام) هوى امرأة أوريا بن حنان، فاحتال في قتله، ثم نقلها إليه (3).
وروايتهم: أن يوسف بن يعقوب عليهما السلام همم بالزنا، وعزم عليه (4). وغير ذلك من أمثاله.
ومن رواياتهم: التشبيه لله تعالى بخلقه، والتجوير له في حكمه (5).
Bogga 26
فيجب على الشيخ - الذي حكيت أيها الأخ عنه - أن يدين الله بكل ما تضمنته هذه الروايات، ليخرج بذلك عن الغلو على ما ادعاه، فإن دان بها، خرج عن التوحيد والشرع، وإن ردها ناقض في اعتلاله، وإن كان ممن لا يحسن المناقضة، لضعف بصيرته، والله نسأل التوفيق.
فصل والخبر المروي أيضا في نوم النبي (عليه السلام) عن صلاة الصبح (1) من جنس الخبر عن سهوه في الصلاة، وإنه من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، ومن عمل عليه فعلى الظن يعتمد في ذلك دون اليقين، وقد سلف قولنا في نظير ذلك بما يغني عن إعادته في هذا الباب.
مع أنه يتضمن خلاف ما عليه عصابة الحق لأنهم لا يختلفون في أنه من فاتته صلاة فريضة فعليه أن يقضيها أي وقت ذكرها، من ليل أو نهار ما لم يكن الوقت مضيقا لصلاة فريضة حاضرة.
Bogga 27
وإذا حرم على الإنسان أن يؤدي فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضا قد فاته، كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض أولى.
هذا مع الرواية عن النبي عليه السلام أنه قال: " لا صلاة لمن عليه صلاة " (1) يريد أنه لا نافلة لمن عليه فريضة.
فصل ولسنا ننكر بأن يغلب النوم الأنبياء عليهم السلام في أوقات الصلوات حتى تخرج، فيقضوها بعد ذلك، وليس عليهم في ذلك عيب ولا نقص، لأنه ليس ينفك بشر من غلبة النوم، ولأن النائم لا عيب عليه وليس كذلك السهو، لأنه نقص عن الكمال في الإنسان، وهو عيب يختص به من اعتراه.
وقد يكون من فعل الساهي تارة، كما يكون من فعل غيره، والنوم لا يكون إلا من فعل الله تعالى، وليس من مقدور العباد على حال، ولو كان من مقدورهم لم يتعلق به نقص وعيب لصاحبه لعمومه جميع البشر، وليس كذلك السهو، لأنه يمكن التحرز منه.
ولأنا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم وأسرارهم ذوي السهو والنسيان، ولا يمتنعون من إيداع ذلك من يغلبه النوم أحيانا، كما لا يمتنعون من إيداعه من يعتريه الأمراض والأسقام.
ووجدنا الفقهاء يطرحون ما يرويه ذو والسهو من الحديث، إلا أن يشركهم فيه غيرهم من ذوي التيقظ، والفطنة، والذكاء، والحصافة.
فعلم فرق ما بين السهو والنوم بما ذكرناه.
Bogga 28
ولو جاز أن يسهو النبي عليه السلام في صلاته وهو قدوة فيها حتى يسلم قبل تمامها وينصرف عنها قبل كمالها، ويشهد الناس ذلك فيه ويحيطوا به علما من جهته، لجاز أن يسهو في الصيام حتى يأكل ويشرب نهارا في رمضان بين أصحابه وهم يشاهدونه ويستدركون عليه الغلط، وينبهونه عليه، بالتوقيف على ما جناه ولجاز أن يجامع النساء في شهر رمضان نهارا ولم يؤمن عليه السهو في مثل ذلك حتى يطأ المحرمات عليه من النساء وهو ساه في ذلك ظان أنهم أزواجه ويتعدى من ذلك إلى وطي ذوات المحارم ساهيا.
ويسهو في الزكاة فيؤخرها عن وقتها ويؤديها إلى غير أهلها ساهيا، ويخرج منها بعض المستحق عليه ناسيا.
ويسهو في الحج حتى يجامع في الاحرام، ويسعى قبل الطواف ولا يحيط علما بكيفية رمي الجمار، ويتعدى من ذلك إلى السهو في كل أعمال الشريعة حتى يقلبها عن حدودها، ويضيعها في أوقاتها، ويأتي بها على غير حقائقها، ولم ينكر أن يسهو عن تحريم الخمر فيشربها ناسيا أو يظنها شرابا حلالا، ثم يتيقظ بعد ذلك لما هي عليه من صفتها، ولم ينكر أن يسهو فيما يخبر به عن نفسه وعن غيره ممن ليس بربه بعد أن يكون مغصوبا في الأداء.
وتكون العلة في جواز ذلك كله أنها عبادة مشتركة بينه وبين أمته، كما كانت الصلاة عبادة مشتركة بينهم، حسب اعتلال الرجل - الذي ذكرت أيها الأخ عنه ما ذكرت من اعتلاله - ويكون أيضا ذلك لإعلام الخلق أنه مخلوق ليس بقديم معبود.
وليكون حجة على الغلاة الذين اتخذوه ربا.
وهذا - أيضا - سببا لتعليم الخلق أحكام السهو في جميع ما عددناه من الشريعة كما كان سببا في تعليم الخلق حكم السهو في الصلاة،
Bogga 29
وهذا ما لا يذهب إليه مسلم ولا ملي ولا موحد، ولا يجيزه على التقدير في النبوة ملحد، وهو لازم لمن حكيت عنه ما حكيت، فيما أفتى به من سهو النبي عليه السلام، واعتل به، ودال على ضعف عقله، وسوء اختياره، وفساد تخيله.
وينبغي أن يكون كل من منع السهو على النبي عليه السلام في جميع ما عددناه من الشرع، غاليا كما زعم المتهور في مقاله: أن النافي عن النبي عليه السلام السهو غال، خارج عن حد الاقتصاد.
وكفى بمن صار إلى هذا المقال خزيا.
فصل ثم من العجب حكمه على أن سهو النبي عليه السلام من الله، وسهو من سواه من أمته وكافة البشر من غيرهم من الشيطان بغير علم فيما ادعاه، ولا حجة ولا شبهة يتعلق بها أحد من العقلاء، اللهم إلا أن يدعى الوحي في ذلك، ويبين به ضعف عقله لكافة الألباء.
ثم العجب من قوله: أن سهو النبي عليه السلام من الله دون الشيطان، لأنه ليس للشيطان على النبي عليه السلام سلطان، وإنما زعم أن سلطانه على الذين يتولونه، والذين هم به مشركون، وعلى من اتبعه من الغاوين.
ثم هو يقول : إن هذا السهو الذي من الشيطان يعم جميع البشر - سوى الأنبياء والأئمة - فكلهم أولياء الشيطان وإنهم غاوون، إذ كان للشيطان عليهم سلطان، وكان سهوهم منه دون الرحمن، ومن لم يتيقظ لجهله في هذا الباب، كان في عداد الأموات.
Bogga 30
فصل فأما قول الرجل المذكور إن ذا اليدين معروف، وأنه يقال له: أبو محمد، عمير بن عبد عمرو، وقد روى عنه الناس.
فليس الأمر كما ذكر، وقد عرفه بما يدفع معرفته من تكنيته وتسميته بغير معروف بذلك، ولو أنه يعرف بذي اليدين، لكان أولى من تعريفه بتسميته بعمير.
فإن المنكر له يقول: من ذو اليدين؟ ومن هو عمير؟ ومن هو ابن عبد عمرو؟
وهذا كله مجهول غير معروف.
ودعواه أنه قد روى الناس عنه، دعوى لا برهان عليها، وما وجدنا في أصول الفقهاء ولا الرواة حديثا عن هذا الرجل، ولا ذكرا له.
ولو كان معروفا كمعاذ بن جبل، و عبد الله بن مسعود، وأبي هريرة و أمثالهم، لكان ما تفرد به غير معمول عليه، لما ذكرناه من سقوط العمل بأخبار الآحاد، فكيف وقد بينا أن الرجل مجهول غير معروف، والخبر متناقض باطل بما لا شبهة فيه عند العقلاء.
ومن العجب بعد هذا كله، أن خبر ذي اليدين يتضمن أن النبي صلى الله عليه وآله سها فلم يشعر بسهوه أحد من المصلين معه من بني هاشم، والمهاجرين، والأنصار، ووجوه الصحابة، وسراة الناس، ولا فطن لذلك وعرفه إلا ذو اليدين المجهول، الذي لا يعرفه أحد، ولعله من بعض الأعراب.
أو شعر القوم به فلم ينبهه أحد منهم على غلطه، ولا رأى صلاح
Bogga 31
الدين والدنيا بذكر ذلك له إلا المجهول من الناس.
ثم لم يستشهد على صحة قول ذي اليدين فيما خبره به من سهو إلا أبا بكر وعمر، فإنه سألهما عما ذكره ذو اليدين، ليعتمد قولهما فيه، ولم يثق بغير هما في ذلك، ولا سكن إلى أحد سواهما في معناه.
وإن شيعيا يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبي عليه السلام بالغلط، والنقص ، وارتفاع العصمة عنه من العناد (1) لناقص العقل، ضيف الرأي، قريب إلى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف.
والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
تم جواب أهل الحائر على ساكنه السلام فيما سألوا عنه من سهو النبي صلى الله عليه وآله في الصلاة بحمد لله ومنه وصلى الله على محمد وآله وسلم
Bogga 32