وذلك هو إعجاب الصديق. خير لبني آدم أن يبقى لهم هذا الإعجاب من أن يزول ويبقى بعده كل شيء، وأي شيء! •••
ولقد أجدى ذلك الخلق الكريم أكبر جدواه؛ لأنه تهيأ له بسليقته ونشأته وتوشج تركيبه عليه.
فظهر منه إيمان القلب، وروية الفكر، وفي سياسته العامة، وفي سياسته الخاصة، وما تشتمل عليه من أدب سلوك وعلاقة بالناس.
أحاط به أناس من المشركين يتهكمون به ساخرين عابثين: هل لك إلى صاحبك؟ إنه يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس!
وكان أناس قد ارتدوا بعد إسلام لما سمعوا بحديث الإسراء ولم يتبينوه. فأما أبو بكر فما زاد على أن قال: أوقد قال ذلك؟ لئن قال ذلك لقد صدق!
فغاظهم منه أنهم لم يبلغوا منه موقع التشكيك فيما أربى عندهم على حدود التصديق، وعادوا يسألونه: أتصدق أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وعاد قبل أن يصبح؟
قال: نعم! إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك من خبر السماء في غدوة أو روحة. ثم ذهب إلى النبي عليه السلام فطفق يسمع منه ويصدقه ويقول: أشهد أنك لرسول الله.
وهذا هو البرهان النفساني كما دعوناه، وهو برهان لا خلل فيه من وجهته التي يستقيم عليها، وإن لم يكن هو البرهان الذي تعوده المناطقة والعلماء.
وهنا موضع صالح للتفرقة بين هذه البراهين في ظواهرها، وللتوفيق بينها فيما تنتهي إليه من نشدان الحقيقة الكبرى: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك من خبر السماء.
وفحوى ذلك: إني لأصدقه لأنه أهل للتصديق.
Bog aan la aqoon