كانوا على الأرجح يقضون حق المجاملة لسعد بن عبادة، ولا ينوون الزيادة أو يجدون في الكفاح لانتزاع الخلافة: كانوا مسلمين قبل كل شيء ولم يكونوا طلاب ملك قبل كل شيء، وكانوا يحسون ما أحسه المسلمون جميعا؛ إذ قالوا: إن النبي قد ائتمن أبا بكر على الدين بتقديمه للصلاة فكيف لا يؤتمن على الدنيا؟
وكانوا يعلمون أن المهاجرين مقدمون في القرآن على الأنصار:
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان [التوبة: 100]. فلم يكن إيمانهم بحقهم في الخلافة إيمان من يغضب لفواتها ويستميت في طلبها، ولم يكن حرصهم على السلطان أشد من حرصهم على الدين ومصلحة المسلمين، ولم يكن أملهم فيها إذا نازعتهم قريش عليها بالأمل الذي يطغى على كل تفكير، فما هو إلا أن أشار بعضهم إلى منازعة المهاجرين حتى قالوا: «منا أمير ومنهم أمير» قبل أن تستفيض بينهم حجج المهاجرين. ثم تمت البيعة فلم يعودوا إلى تمحل الأسباب للخروج على صاحب الأمر كما يفعل كل حريص على السلطان لجوج فيه.
فهم ولا ريب أصحاب مشيئة فيما صارت إليه الأمور، على هذا النحو من المشيئة التي قد يجهلها صاحبها وهي حاضرة.
وهم ولا ريب إخوان يطلبون حقا في الإرث المشروع إن ثبت لهم حق فيه، وليسوا بأعداء ينظرون إلى أسلاب العدو ويستحقونها بالغلبة عليها، كائنة ما كانت ذريعتهم إليها من حق أو باطل.
على أنهم لو كانوا غير ذلك وكان نزاعهم إلى السلطان نزاعا طاغيا لا يبالون فيه بالحقوق والحرمات لبطل في هذا النزاع كل تدبير سابق لأبي بكر وصاحبيه، ولكان مآل الفتنة إلى حكم الواقع الذي لا تغني فيه الخطط السابقة ولا العظات البالغة؛ إذ قصارى التدبير من أبي بكر وصاحبيه أن يجمعوا حولهم كلمة قريش ورؤسائها وبطونها، فأما أن يخضعوا بالتدبير من لا يخضع لغير السيف، وأن يدفعوا بالاتفاق بينهم ما ليس له دافع، فذلك هو المحال بعينه، أو ذلك هو الاتفاق على أناس خارجين من نطاق الاتفاق.
وصفوة القول أن خلافة أبي بكر كانت نتيجة لكل مقدمة سبقتها من فعل الحوادث، أو من فعل أحد عامد أو غير عامد.
وغير هذه الخلافة ما كان ليكون، إلا الفتنة التي لا يجدي فيها اختيار هذا ولا اختيار ذاك. ولا يغني فيها تدبير ولا تقدير.
ولسنا نحب أن يفهم من هذا أن أحدا من كبار الصحابة كان يعاف الخلافة ولا يسره أن يختار لهذا المقام العظيم، وأن يراه الناس أهلا للاضطلاع بعبئه الجسيم. فخلافة النبي شرف لا يأباه أحد يحبه ويعظمه ويتتبع خطاه، وأقل من هذا المقام الأسنى كان حقيقا عند الصحابة أن يستشرفوا له، ولا يكتموا طموحهم إليه.
جاء أهل نجران إلى النبي عليه السلام فقالوا: «ابعث لنا رجلا أمينا.»
Bog aan la aqoon