قالت: لا. ذلك رجل هين يقضي لك.
قال: أترضين بأبيك؟
قالت: نعم.
فلما جاء أبو بكر قال رسول الله: اقصصي!
فقالت: بل اقصص أنت.
فأخذ رسول الله في إعادة ما جرى بينهما من كلام، وبدرت من عائشة كلمة لا تعنيها فقالت: اقصد، أي التزم القصد ولا تزد في الرواية، فرفع أبو بكر يده فلطمها وانتهرها مغضبا: تقولين يا بنت أم رومان: اقصد! من يقصد إذا لم يقصد رسول الله! وجعل الدم يسيل من أنفها ورسول الله يحجز بينهما ويقول لصديقه: إنا لم نرد هذا. حتى انصرف برضى من رسول الله. فقال لها ما معناه: رأيت كيف أبعدك الله منه! أو قال لمثل هذه المناسبة: «رأيت كيف أنقذتك من الرجل!»
ففي هذا وأمثاله يشتد أبو بكر على بنيه وهي شدة قد تقترن بالرحمة ولا تحجبها إلا إلى حين.
وكان لصدق شعوره بالأبوة يحس ما يحتاج إليه الوليد في نشأة الطفولة ويزوده بتلك الحاجة ولو أغضب الآباء، وهم عنده أصدق الأصدقاء.
فلما أخذ عمر بن الخطاب ابنه عاصما من أمه المطلقة تخاصما إليه فقضى بالوليد لأمه وقال لعمر: «ريحها وشمها ولطفها خير له منك.» فكان غاية الرحمة وغاية العدل في آن، وإن رجلا يعدل حين يهم بالجور عمر لهو من العدل بمكان لا يسامى.
وكادت الصداقة عنده أن تكون أخوة أو بنوة. فكان يتحدث عن عمر يوما فإذا هو يقول كأنما يتحدث إلى نفسه: «والله إن عمر لأحب الناس إلي ...»
Bog aan la aqoon