وكانت للنبي زوجة أخرى وسمت بالوضاءة والفتاء، وهي زينب بنت جحش ابنة عمته عليه السلام التي زوجها زيد بن حارثة بأمره وعلى غير رضا منها، لأنها أنفت - وهي ما هي في الحسب والقرابة من رسول الله - أن يتزوجها غلام عتيق.
هذه أيضا لم يكن «للذات الحس» المزعومة سلطان في بناء النبي بها بعد تطليق زيد إياها وتعذر التوفيق بينهما، ولو كان للذات الحس سلطان في هذا الزواج لكان أيسر شيء على النبي أن يتزوجها ابتداء ولا يروضها على قبول زيد وهي تأباه، فقد كانت ابنة عمته يراها من طفولته ولا يفاجئه من حسنها شيء كان يجهله يوم عرض عليها زيدا، وشدد عليها في قبوله. فلما تجافى الزوجان وتكررت شكوى زيد من إعراضها عنه وترفعها عليه وإغلاظها القول له كان زواج النبي بها «حلا لمشكلة» بيتية بين ربيب في منزلة الابن وابنة عمة أطاعته في زواج لم يقرن بالتوفيق.
أما سائر زوجاته عليه السلام فما من واحدة منهن - رضي الله عنهن - إلا كان لزواجه بها سبب من المصلحة العامة أو من المروءة والنخوة دون ما يهذر به المرجفون من لذات الحس المزعومة.
فأم سلمة كانت كهلة مسنة يوم خطبها، كما قالت له معتذرة إليه؛ لإعفائه من تكليف نفسه أن يتزوجها جبرا لخاطرها بعد موت زوجها عبد الله المخزومي من جرح أصابه في غزوة أحد، ولما برح بها الحزن لوفاته واساها رسول الله قائلا: «سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك وأن يخلفك خيرا» ...
فقالت: «ومن يكون خيرا من أبي سلمة؟» فأوجب على نفسه خطبتها لأنها تعلم أنه خير من أبي سلمة، ولأنه يعلم أن أبا بكر وعمر خطباها فترفقت في الاعتذار، وهما أعظم المسلمين قدرا بعد النبي عليه السلام.
وجويرية بنت الحارث سيد قومه كانت إحدى السبايا في غزوة بني المصطلق فتزوجها النبي؛ ليعتقها ويحض المسلمين على عتق أسراهم وسباياهم تفريجا عنهم وتألفا لقلوبهم، فأسلموا جميعا وحسن إسلامهم، وخيرها أبوها بين العودة إليه والبقاء في حرم رسول الله فاختارت البقاء في حرم رسول الله.
وحفصة بنت عمر بن الخطاب مات زوجها فعرضها أبوها على أبي بكر فسكت، وعلى عثمان فسكت، وبث عمر أسفه للنبي فلم يكن للنبي عليه السلام أن يضن على وليه وصديقه بالمصاهرة التي شرف بها أبا بكر من قبله، وقال: يتزوج حفصة من هو خير من أبي بكر وعثمان.
ورملة بنت أبي سفيان تركت أباها لتسلم، وتركت وطنها لتهاجر مع زوجها إلى الحبشة، ثم تنصر زوجها وفارقها وهي غريبة هناك بغير عائل، فأرسل النبي إلى النجاشي في طلبها لينقذها من ضياع الغربة وضياع الأهل وضياع القرين. فكانت النجدة الإنسانية باعث هذا الزواج ولم يكن له باعث من المتعة والاستزادة من النساء، وكان للنبي مقصد جليل من وراء هذا الزواج الذي لم يفكر فيه حتى ألجأته النجدة إلى التفكير فيه، وهو أن يصل بينه وبين أبي سفيان بآصرة النسب، عسى أن يهديه ذلك إلى الدين، بما يعطف من قلبه ويرضي من كبريائه.
وكان إعزاز من ذلوا بعد عزة سنة النبي عليه السلام في معاملة جميع الناس ولا سيما الناس اللاتي تنكسر قلوبهن في الذل بعد فقد الحماة والأقرباء، ولهذا خير صفية الإسرائيلية سيدة بني قريظة بين أن يلحقها بأهلها وأن يعتقها ويتزوج بها، فاختارت الزواج منه عليه السلام، وآية الآيات في رعاية الشعور الإنساني أنه عليه السلام أنب صفيه بلالا لأنه مر بها وبابنة عمها على قتلى اليهود. فقال له مغضبا: «أنزعت الرحمة من قلبك حين تمر بالمرأتين على قتلاهما؟» واحتقرتها زينب فلقبتها يوما باليهودية، فهجرها شهرا لا يكلمها ليأخذ بناصر هذه الغريبة ويدفع عنها الضيم. •••
تنكشف لنا مراجعة الحياة الزوجية لمحمد عليه السلام عن هذه الأسباب وشبيهاتها من دواعي اختياره لنسائه واستجماعه لهذا العدد من الزوجات في حين واحد ...
Bog aan la aqoon