فقال: «إن عصر الفروسية كان معروفا بما لحظ فيه من فقدان الشبان على الجملة الاهتمام بالجنس الآخر. ولعلنا نقلل من الدهشة لذلك لو أننا وعينا كلمة الفروسية وذكرنا أنها لم تكن ذات شأن بالسيدات كما كانت ذات شأن بالخيل على خلاف ما يروق الكثيرين أن يذكروه، فقلما بلغ الاهتمام بالمرأة مبلغ الاهتمام بالحصان في عصر الفروسية إلا على اعتبار أنها عنوان ضيعة.»
إلى القارئ محادثة من كتاب أغاني الآداب والتحيات
Chanson de Geste
يروى فيها أن ابنة أوسيس
Auseis
جلست في نافذتها ذات يوم فعبر بها فتيان - هما جاران وجربرت - وقال أحدهما: «انظر. انظر يا جربرت: وحق العذراء ما أجملها من فتاة!» فلم يزد صاحبه على أن قال: يا لهذا الجواد من مخلوق جميل! ... دون أن يلتفت بوجهه ... وعاد صاحبه يقول مرة أخرى: «ما أحسبني رأيت قط فتاة بهذه الملاحة. ما أجمل هاتين العينين السوداوين!» وانطلقا وجربرت يقول له: «ما أحسب أن جوادا قط يماثل هذا الجواد» وهي حادثة صغيرة ولكنها واضحة الدلالة، إذ قلة الاهتمام تورث الازدراء ... والحق أن عصر الفروسية يرينا بعض الشواهد الواضحة على هذا الازدراء ... وإليك مثلا حادثة في الكتاب المتقدم يروى فيها أن الملكة بلانشفلور ذهبت إلى قرينها الملك ببن
تسأله معونة أهل اللورين، فأصغى إليها الملك ثم استشاط غضبا ولطمها على أنفها بجمع يده فسقطت منه أربع قطرات من الدم وصاحت تقول: «شكرا لك. إن أرضاك هذا فأعطني من يدك لطمة أخرى حين تشاء.»
ولم تكن هذه حادثة مفردة لأن الكلمات على هذا النحو كثيرا ما تتكرر كأنها صيغة محفوظة، وكأنما كانت اللطمة بقبضة اليد جزاء كل امرأة جسرت في عهد الفروسية على أن تواجه زوجها بمشورة: ... ومتى كانت المرأة تزف إلى زوجها عفو الساعة وكثيرا ما تزف إلى رجل لم تره قبل ذاك، إما لتسهيل المحالفات الحربية والمدد العسكري، أو لتسهيل صفقة من صفقات الضياع. ومتى كانت بعد زفافها إلى فارس مجنون بالحرب معطل الذكاء قد يكون في معظم الأحوال من الأميين - عرضة للضرب كلما واجهته بمخالفة - أترى سيدة القصر إذن واجدة لها رحمة أو ملاذا من حياة الشقاء أو من صحبة قرين ليس لها بأهل؟
وعصر أوروبا الحديث
ولقد تقدم الزمن في الغرب من العصور المظلمة إلى عصور الفروسية إلى ما بعدها من طلائع العصر الحديث ولم تبرح المرأة في منزلة مسفة لا تفضل ما كانت عليه في الجاهلية العربية، وقد تفضلها منزلة المرأة في تلك الجاهلية ...
Bog aan la aqoon