صلى الله عليه وسلم ... فما يكون أحد أقرب منه إلى العدو.»
ولولا ثباته في وقعة حنين، وقد ولت جمهرة الجيش وأوشك أن ينفرد وحده في وجه الرماة والطاعنين، لحقت الهزيمة على المسلمين.
وخروجه والليل لما يسفر عن صبحه ليطوف بالمدينة مستطلعا، وقد هددها الأعداء بالغارة والحصار أمر لو لم تدعه إليه الشجاعة الكريمة لم يدعه إليه شيء؛ لأن المدينة كانت يومئذ حافلة بمن يؤدون عنه مهمة الاستطلاع وهو قرير في داره، ولكنه أراد أن يرى بنفسه فلم يثنه خوف، ولم يعهد بهذا الواجب إلى غيره.
ومشاركته في الوقعات الأخرى هي مشاركة القائد الذي لا يعفي نفسه وقد أعفته القيادة من مشاركة الجند عامة فيما يستهدفون له، فهي شجاعة لا تؤثر أن تتوارى حيث يتاح لها أن تتوارى ، وعندها العذر المقبول بل العذر المحمود.
وإذا كان القائد خبيرا بالحرب قديرا عليها غير هياب لمخاوفها، ثم اكتفى منها بالضروري الذي لا محيص عنه ... فذلك هو الرسول تأتيه الشهادة بالرسالة من طريق القيادة العسكرية، وتأتي جميع صفاته الحسنى تبعا لصفات الرسول.
خصائص العظمة
لكن للعظمة خصائص تدعو إلى العجب، وإن كانت معروفة الأسباب، وناهيك بالعظمة التي ترتقي هذا المرتقى.
فمن تلك الخصائص أنها قد توصف بالنقيضين في وقت واحد، لأنها متعددة الجوانب، فيراها أناس على صورة ويراها غيرهم على صورة أخرى، وربما رأتها العين الواحدة على اختلاف في الوقتين المختلفين.
ولأنها تبعث الحب الشديد كما تبعث البغض الشديد، وبين الطرفين مجال للاعتدال يستقيم للراشدين، ومجال للمغالاة من هنا وللمغالاة من هناك ...
ولأنها عميقة الأغوار فلا يسهل استبطانها لكل ناظر، ولا يتأتى تفسيرها لكل مفسر.
Bog aan la aqoon