وراحت قريش تثير ثائرة العرب، واندس جماعة من اليهود يحضأون نار الفتنة، وتنادوا أن محمدا وأصحابه قد أباحوا الدماء والأموال في الشهر الحرام، وقال المسلمون في مكة، بل كان ذلك في شعبان، ثم نزلت الآيات:
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا (البقرة: 217).
فقبض النبي العير والأسيرين، وطلبت قريش فداءهما فقال عليه السلام: «لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا، فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم.»
هذه قصة السرية وما وقع فيها خلافا لأمر النبي وما نجم عنها من تشريع ... فإذا نحن كتبناها باصطلاح العصر الحديث فكيف نكتبها؟ ... وكيف نفهمها؟ ...
هي لا خلاف حادثة طلائع أو حادثة حدود: ترسل إحدى الدول طليعة من جندها إلى حدودها للكشف أو للحراسة، فيقع الاشتباك بينها وبين طليعة في بلاد أخرى على غير علم من الحكومتين.
فالذي يحدث في هذه الحالة أن تنظر الحكومة الأخرى إلى المسألة كأنها مسألة فردية عرضية لا تستوجب القتال، وتكتفي بما ينال المسئولين على أيدي حكومتهم من جزاء أو تأنيب، وينحسم النزاع.
هذا أو تصر الحكومة الأخرى على طلب الترضية، فإن قبلتها الحكومة المطلوبة فالنزاع منحسم، وإن لم تقبلها فالمفاوضة والمساومة أو امتشاق الحسام ...
ذلك إذا نظر الفريقان إلى المسألة كأنها مسألة فردية عرضية، ولم يشأ أحدهما أو كلاهما أن يضعاها موضع التشريع العام لتقرير الحكم الذي يجريان عليه فيها وفي أمثالها، أو تقرير ما يعترفان به وما ينكرانه من الشرائط والأصول.
وقريش لم تكتف بالنظر إلى حادثة السرية كأنها حادثة فردية عرضية، ولم تعلن الحرب توا لأنها تبيت النية لإعلانها بعد حين ... ولكنها أثارت مسألة تشريع عام في قتال الشهر الحرام، فوجب أن ينص الإسلام على هذا التشريع صريحا لا لبس فيه، وهذا الذي كان.
ليست المسألة أن عبد الله بن جحش قد خالف أمر النبي، فهذا أمر مفروغ منه ولا محل للبحث فيه.
Bog aan la aqoon